يمن إيكو|تقرير:
كشف تحقيق استقصائي، حديث حول تجارة الأحجار الكريمة والمعادن النادرة في اليمن، عن صورة قاتمة من الانفلات المالي والقانوني الذي أفضى إلى أكبر مشهد فساد في تاريخ البلاد، متتبعاً مسارات تهريب المعادن من المناجم البدائية في شبوة وأبين ولحج والبيضاء، وصولاً إلى المنافذ الحدودية والموانئ، الواقعة في نطاق سلطات الحكومة اليمنية، وفقاً للتحقيق الذي أجراه موقع “الجزيرة نت”، ورصده موقع “يمن إيكو”.
وأظهر التحقيق- المدعوم بالوثائق الرسمية الصادرة عن جهات تابعة للحكومة اليمنية، والشركات الأجنبية، والقطاع الخاص اليمني ممثلاً بالغرفة التجارية بعدن- عقوداً واتفاقيات سرية، وشهادات وسطاء وعمال، بما يُظهر اقتصاداً موازياً ينهب موارد البلاد، مقدراً حجم الثروات المنهوبة سنوياً بين 100 و250 مليون دولار.
وأشارت الشهادات- الواردة في التحقيق- إلى أن الأحجار الكريمة الأكثر تداولاً تشمل الإيولايت (حجر كريم شفاف) واليشم (الجاد)، ويُصدرها التجار بأسعار زهيدة محلياً لا تتجاوز 1500 دولار للطن، في حين تتراوح أسعارها عالمياً بين 600 ألف ومليون دولار، ما يعكس فجوة ضخمة بين القيمة الحقيقية والعوائد المحلية.
ونقل التحقيق عن وسيط سابق يدعى صالح حسين، تأكيده أن استخراج هذه الأحجار يتم بأساليب بدائية في لودر ونصاب، بينما تُخزن الشحنات في فيلات خاصة قبل تهريبها دولياً.
وأشار التحقيق، إلى أن الذهب والمعادن النادرة الأخرى، مثل الرمال السوداء المستخدمة في الصناعات المتقدمة، تُهرّب عبر منافذ سرية مع سلطنة عمان، وتتم عمليات الدفع بالدولار خارج البلاد، مما يحرم الدولة من عملة صعبة مهمة، مؤكداً أن شبكات التهريب تستخدم سيارات بلا لوحات، أو سيارات مواشٍ وخضروات، وتدفع أحياناً مبالغ تصل إلى مليون ريال لضمان مرور الشحنات، وفق شهادات السائقين.
وأكد عاملون في المناجم أن أجورهم اليومية لا تتجاوز 6 دولارات رغم استخراجهم أحجاراً تُباع بملايين الدولارات، في ظل غياب حماية أو ضمانات صحية، حسب التحقيق.
وأظهرت الوثائق الرسمية التي حصل عليها التحقيق، بما في ذلك عقود بيع مع شركات صينية، أن عمليات التصدير غالباً ما تتم بدون تراخيص استخراج أو نقل قانونية، وهو ما يشكل خرقاً صريحاً لقانون المناجم والمحاجر رقم 22 لسنة 2010، وينشئ غطاءً رسمياً لعمليات تهريب غير قانونية، حسب المحقق.
ولفت التحقيق، إلى أن محافظة المهرة تعتبر أبرز مسارات التهريب بسبب تضاريسها الوعرة ونقص الرقابة، بينما تشمل طرقاً بحرية وموانئ مثل ميناء صرفيت.
وأوضح أن الشهادات المستقلة كشفت عن اختراقات مستمرة، تدحض مزاعم السلطة المحلية التابعة للحكومة اليمنية بسيطرتها ومراقبتها للمنافذ، الأمر الذي يثير تساؤلات حول فعالية الرقابة الحكومية ومصداقية الضمانات الأمنية المعلنة.
ونقل التحقيق، عن المحامي عمر الحميري أن هذه العقود لا تشير إلى أي إذن رسمي، كما يُسمح بموجبه للطرف المستورد بفحص الشحنات فقط، بينما يُترك استخراج المواد والتصدير بدون رقابة فعلية، مما يفتح الباب لاقتصاد ظل متنامٍ يهدد استقرار الاقتصاد الوطني.
وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن هذه التجارة غير المنظمة تحرم الدولة من عوائد ضخمة كانت ستدعم الخدمات الأساسية، وتعزز من الفجوة المالية في اقتصاد منهك بفعل الحرب، فيما يُغذى الاقتصاد الموازي الذي يشكل عائقاً أمام الإصلاح الهيكلي وفرص التعافي الاقتصادي.
وكشفت بيانات التجارة الرسمية عن تناقضات كبيرة، إذ بلغت صادرات اليمن من “اللآلئ والأحجار الكريمة والمعادن” نحو 1.67 مليون دولار في 2015، في حين تشير تقديرات السوق الفعلية إلى أن القيم الحقيقية للمعادن المهربة تتجاوز مئات الملايين، ما يعكس فجوة هائلة بين الأداء الرسمي والواقع.
خلاصة القول: “إن الوثائق والشهادات- التي اعتمد عليها التحقيق- أبانت عن حقائق صادمة، تفيد بأن شبكة مصالح واسعة تضم رجال أعمال، وقيادات قبلية وسياسية، وموظفين متنفذين، تعمل على تحويل القوانين إلى واجهات شكلية، وتوزيع العوائد بين النخب بدون شفافية، محولة قطاع المعادن والأحجار إلى اقتصاد مظلم ينهب موارد البلاد، ويترك الاقتصاد اليمني مفتقداً لجزء كبير من إمكاناته التنموية”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news