تقرير | كيف أعادت الحوثية إنتاج مساوئ الإمامة بصيغة أكثر عنفًا وظلامًا؟ وكيف يمكن تحصين اليمنيين؟

     
بران برس             عدد المشاهدات : 203 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تقرير | كيف أعادت الحوثية إنتاج مساوئ الإمامة بصيغة أكثر عنفًا وظلامًا؟ وكيف يمكن تحصين اليمنيين؟

منذ ظهورها المسلح قبل نحو عقدين، ظلت جماعة الحوثي مثار جدل واسع: هل هي مجرّد نسخة من الإمامة القديمة، أم أنها الوجه الأكثر تطرفًا ووحشيّة لعقيدة سلالية طائفية أُعيد إنتاجها بأدوات العصر؟.

فمنذ اجتياحها للعاصمة صنعاء واستيلائها على مؤسسات الدولة أواخر العام 2014، عملت على إعادة تدوير الموروث الإمامي بنزعته السلالية ونظامه القمعي المغلق، مستغلّة مؤسسات الدولة الحديثة والتقنيات المعاصرة لتكريس مشروعها الكهنوتي.

يناقش “بران برس” في هذه المادة القضايا السابقة، ويبحث الإجابة عن كيف يمكن لليمنيين أن يتحصنوا فكريًا واجتماعيًا ضد عودة الإمامة بصيغتها الحوثية؟ وهل يمكن معالجة الأزمة بعيدًا عن جذرها العنصري؟.

رحم الفساد والمساوئ

عن الامتداد الفكري والسلوكي لجماعة الحوثي، قال الصحفي نبيل صلاح، إنها “نشأت من رحم الفقه الهادوي الزيدجارودي الفاسد، وهو فكر كهنوتي حمل بذرة التميز العنصري الشيطانية ونظرية الاصطفاء المزعومة”.

ومن هذا “المستنقع”، قال صلاح، وهو المدير السابق لمركز العاصمة الإعلامي، إن الجماعة “ذهبت لشرعنة الاستبداد والتمييز العنصري، وحوّلت الدين إلى أداة قهر، وعمدت إلى إعادة إنتاج كل مساوئ الإمامة القديمة”.

وأضاف أن “تاريخ الإمامة في اليمن لم يعد مجرد حكاية تُروى عن ظلمٍ غابر أو فانتازيا يُستشهد بها لتذكير الأجيال بماضٍ مظلم، فالحوثية اليوم تُعيد بناء جدار الفصل العنصري الإمامي بصورة أكثر قسوة ووحشية”.

ولهذا قال إن “الجيل الجديد بات يرى ويعيش تفاصيل ما كان يسمعه عن بطش الأئمة من قمعٍ واستلابٍ وانغلاق وعبودية”. والاختلاف الآن، برأيه، هو أنّ “الحوثي ورث أدوات الدولة الحديثة أو سطى عليها بعد اجتياح 2014 ووظفها لخدمة أوهامه الكهنوتية، وجعلها وسيلة لتعميق الاستبداد، وإعادة إنتاج الكهنوت”.

وفي حديث سابق لـ“برَّان برس”، أكد أستاذ الفكر التربوي الإسلامي الدكتور أحمد الدغشي، أن الحوثية “نسخة مصغرة من الإمامة. وقال إنها “تستلهم أساليب العنف والقمع من أئمة سابقين مثل الهادي الرسي وعبدالله بن حمزة والمطهر بن شرف الدين”. مضيفًا أنها “لم تتوقف عند كونها امتدادًا لمساوئ الإمامة، بل فاقتها وحشيّة وتدميرًا، مستفيدة من معطيات المرحلة رقميًا وتكنولوجيًا”.

خطر دائم

الباحث في التاريخ اليمني خالد الفرح، أعاد التذكير بخطاب لأبي الأحرار محمد محمود الزبيري بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، حذّر فيه من أن الإمامة ستظل خطرًا مستقبليًا على الجمهورية والثورة. وعندما سُئل عن السبب أجاب: لأن الأحرار قضوا على الإمامة كأسرة وأبقوا عليها كفكرة. 

كما لفت الفرح، إلى ما يسمّى “نظرية البطنيين”، والتي اعتبرها ”المرتكز الأساس في المذهب الزيدي الهادوي”.

وبالإضافة إلى ذلك، قال الباحث إن مؤتمر المصالحة بين الجمهوريين والملكيين في العام 1970، والذي تم بموجبه إعادة الأسر الهاشمية وإشراكها في عضوية المجلس الجمهوري، ومنحها أربع وزارات وعدّة سفراء ومحافظين، مثّل نقطة البداية لتمكين فلول الإمامة من وضع الخطط لإعادة إنتاج أنفسهم من جديد”.

واستشهد الباحث الفرح، بقصيدة لأحد رموز الهاشمية السياسية في اليمن، أحمد الشامي، وجهها حينذاك إلى الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز جاء فيها:

قل لفيصل والقصور العوالي إننا نخبة أباة أشاوس

سنعيد الإمامة للحكم يومًا بثياب النبي أو بسروال ماركس

فاذا أعرض الحجاز ونجد فلنا إخوة كرام بفارس.

دستور سلالي

وعن كيف أعادت الحوثية تدوير الإمامة في سياق الدولة الحديثة، قال صلاح، إنها “سارعت مبكراً لصياغة ما سمي الوثيقة الفكرية، التي تعدها دستورًا بدلًا عن دستور الجمهورية اليمنية”، موضحًا أن فحواها تطبيق مشروع “الولاية العنصرية بدلاً عن الآليات الدستورية للحكم من تبادل سلمي للسلطة وانتخابات حرة لتحل محلها الخصوصية السلالية العرقية، وتصادر حق الشعب في اختيار من يحكمه”.

وأضاف أن هذه الوثيقة أفرزت “الآليات الإدارية لتطبيقها مثل مدونة السلوك الوظيفي، التي تعتمد الولاء الأيديولوجي شرطًا لبقاء الموظف، وتجعل من المؤسسات أدوات تحكّم وليست خدمة للمواطنين”. مضيفًا أن هذا “يتوازى مع مشروع الهوية الإيمانية، الرافعة الدعائية لإزاحة الهوية الحضارية الوطنية لليمن، وإحلال هوية مستوردة من نظام الملالي في طهران”. 

وبرأيه فإن “هذا الربط بين عقلية كهنوتية ومؤسسات تحمل اسم الدولة هو ما يسمح بتحويل نموذج وأساليب الإمامة القديمة إلى مشروع مؤسس على أجهزة معاصرة”.

استعلاء واستبداد

عن أوجه التشابه أو التطابق بين الحوثية والإمامة، قال الباحث الفرح، إنها “كثيرة وواضحة من خلال الممارسات اليومية طوال العقدين الماضيين”.

ومن هذه الأوجه، وفق الفرح: الاستعلاء العنصري، وتقديم أنفسهم بأنهم أصحاب الحق الإلهي في الحكم، وسياسة التجويع والتجهيل ضد الشعب”. مذكّرًا بمقولة شهيرة للإمام يحيى حميدالدين، زعم فيها أن “اليمنيين إذا شبعوا باقوا واذا تعلَّموا مرقوا”. مؤكدًا أن “التجهيل والتجويع من وسائل الإمامة والحوثيين على حد سواء”.

بالإضافة إلى “إذلال القبيلة وضرب بعضها ببعض كوسيلة لإخضاعها”، ووفق الفرح، فإن “هذا النهج كان سياسة إمامية بارزة، وزاد الحوثيون عليه باختطاف وسجن النساء إمعانًا في إذلال القبيلة”، مؤكدًا أن “الحوثي يمارس ضد المجتمع نفس أساليب الإمامة وإن وجد اختلاف ففي المسميات فقط”.

ومن ضمن أوجه التطابق: “إثقال كاهل المواطنين بالجبايات بمسميات متعددة. على سبيل المثال: واحدة من الجبايات التي يسميها الحوثي مجهود حربي، كانت تسمى في حقبة الإمامة معونة الجهاد، وقِسْ على ذلك”.

إضافة إلى “تشويه صورة الإسلام وتحويله من رسالة عالمية إلى دعوة عائلية (ولاية الغدير- البطنين- خرافة الآل...)”. وبجانبها “السيطرة على المساجد، واحتكار الخطاب الديني، وتفسير الدين بما يخدم أهداف السلالة”. إلى جانب “احتكار وسائل الاعلام، والتحكم في المعلومة، ومنع أي صوت إعلامي لا يخدم أفكارهم وتوجهاتهم”.

وبينما فرضت الإمامة الجهل، قال الفرح إن الحوثية عمدت إلى “تغيير المناهج الدراسية بما يتوافق مع أفكارها الأيدلوجية، وقطعت رواتب المدرسين بهدف تجويعهم وتطفيشهم وإحلال عناصرها بدلًا عنهم؛ بعد إجبارهم على المغادرة بحثًا عن فرص عمل لسد احتياجات أسرهم”. 

وحتى قطاع التجارة، قال إنها “احتكرت توريد السلع الأساسية، وربطت احتياجات المجتمع من الضروريات بالولاء للسلالة والخضوع لسياستها”.

أكثر وحشية وظلامًا

من جانبه، قال صلاح، إن “الممارسات الحوثية القمعية لا تقتصر على أدوات الإمامة التقليدية كنظام الرهائن، بل طوّرتها إلى سياسة منهجية بأدوات أمنية أكثر قمعاً ووحشية تشمل: الاختطافات التعسفية، والسجون السرية، وجرائم الإخفاء القسري للمدنيين بما في ذلك عمال إغاثة. 

وأضاف أنها “تجاوزت ذلك إلى اختطاف النساء، وابتزاز عائلاتهن، واستخدامهن كسلاح بهدف الضغط على المجتمع، ومحاولة كسر إرادته”.

وفي المجال التعليمي، قال إن “الحوثية لم تكتفِ بتدمير نظام التعليم، بل استثمرت في تغيير المناهج الدراسية، وإدخال خطابات طائفية تهدف إلى تفكيك الهوية الوطنية، واستبدالها بهوية مستوردة مرتبطة بالمشروع الإيراني”.

واعتبر “هذا الأمر، إلى جانب الآلة الإعلامية الضخمة التي تتبنى خطابًا طائفيًا، وضع جيل كامل في مرمى التجهيل والتلقين الإيديولوجي الفاسد في منطقة مغلقة ذات صوت ولون واحد تحت سطوة القمع”. 

وأكد أن “الجماعة حوّلت المدن والقرى الخاضعة لسيطرتها إلى فضاءات مغلقة لا يُسمع فيها سوى خطاب الكراهية والتعبئة الطائفية القسرية”. وأضاف: “تُفرض على المجتمع حالة من التدجين والريبة، حتى غدت تلك المناطق أشبه بسجن كبير مظلم”.

الكهنوت والدولة الحديثة

عن التمايز السلالي والدولة، أوضح صلاح، أن الجماعة “تفرض معتقداتها العنصرية على الدولة والمجتمع، خلافًا لمبادئ الدولة الحديثة المرتكزة على المواطنة المتساوية، والتي هي أساساً الرسالة السامية لديننا الحنيف”.

وقال إن “إعادة تأسيس التمايز على أساس النسب يكرّس خسارة المواطنة المتساوية، حيث كانت الطبقية في العهد الإمامي الرسي والقاسمي والمتوكلي وغيره تحتكر فرص الوصول للوظيفة والموارد بينما الأغلبية “رعية كادحين أو عكفة أو فئات مهمشة كـ“العبيد والمزاينة”.

وأكد أن “الحوثية اليوم أعادت كل ذلك من جديد، وزادت الطين بلّة عندما فرضت الولاء الأيديولوجي كشرط للاستفادة من المؤسسات الحديثة الخاضعة لسيطرتها، والحصول على هامش خدمات أو الحق في الحياة”.

وحذّر من أن استمرار هذا النهج “يضاعف التهميش، ويرسّخ استبعاد جماعي طويل الأمد يفضي إلى مواجهات مستقبلية مستعصية”، محذّرًا من التداعيات الاجتماعية لتهيش القبائل والمجتمعات التي تمثّل “الأغلبية أمام أقلية عنصرية متسلطة”، وكذا تداعيات “النزوح والتهجير الواسع داخل البلاد وخارجها، وإنهاك الاقتصاد الوطني لصالح اقتصاد مواز للجماعة لا شريك لها”.

معالجات

وفيما يخص منع عودة الحكم الإمامي الكهنوتي، اقترح الباحث الفرح، خمسة إجراءات احترازية، مشددًا على أنها “ضرورية”، وبدونها لا يمكن ضمان الخلاص من براثن الإمامة التي عزلت اليمن عن العالم، ومنعت تطوره.

ومن هذه الإجراءات: “وضع مادة في الدستور تجرم أي حزب أو مذهب يقول بأفضلية أي شريحة من شرائح المجتمع على بقية الشرائح باعتبار هذا دعوة للعنصرية والتمييز الطبقي”.

وتشمل الإجراءات في مجال التعليم: إشراف الدولة على التعليم الديني والتعليم العام، وحظر أي أفكار عابرة للحدود في المناهج الدراسية أو تتجاوز الانتماء والولاء لليمن. وتدريس التاريخ اليمني وسِيَر الصحابة والقادة اليمنيين وإدخال قصص وسير حياة الثوار العظماء في المقررات الدراسية من أجل ترسيخ الهوية اليمنية. 

وكذا “تدريس مبادئ وأهداف الثورة في كل مراحل التعليم، واعتبار النظام الجمهوري من الثوابت الوطنية، وتكون هذه المادة إجبارية تعتمد عليها فرص الرسوب والنجاح”.

ويتمثل الإجراء الأخير في “منع المواطنين الذين أصولهم من خارج اليمن من الوظائف في الوزارات الهامة والسيادية (الدفاع، التربية المالية الثقافة والنفط والتعليم العالي)”. 

مواجهة شاملة

الصحفي نبيل صلاح، شدد هو الآخر على ضرورة “سن القوانين التي تحمي المستقبل من عودة هذا الفكر العنصري الدخيل وتجريمه”. محذّرًا من خطورة استمرار المشروع الحوثي دون مواجهة شاملة تشمل الجوانب السياسية والعسكرية، الاقتصادية، والتعليمية من دولة وقبيلة ومؤسسات لإزاحة هذا العصابة، وتحديث النظام التعليمي والمناهج.

وقبل كل هذا، أكد أن “الحل العسكري هو الأنجع” لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة المختطفة، مؤكدًا أن “أي مقاربات لا تلامس جذر المشكلة لا توفر حلاً ولا سلاماً مستداماً؛ إذ إن العنصرية والتمييز السلالي هما أهم تكوينة للمشروع الإمامي ونسخته الجديدة الحوثية”.

وجدد التأكيد على أن “أي تسوية سياسية بدون إنهاء جذري للتمييز في بنية هذا المشروع من تشريعات وقوانين صارمة تحظره وتجرم الدعوة إليه أو ترويجه، ستظل هشّة وتُعيد إنتاج أسباب الصراع والعنف في المستقبل”.

 


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

ظهور مفاجئ لعفاش في صنعاء !

الحدث اليوم | 790 قراءة 

حديث جديد ومحزن صادر عن أحمد علي صالح

كريتر سكاي | 495 قراءة 

”هل تم القبض على قاتل الطفل مرسال؟ الجواب الرسمي يفاجئ الجميع”

المشهد اليمني | 426 قراءة 

صنعاء تصدر قراراً يثير الاستغراب.. هل نحن أمام مرحلة جديدة؟

نيوز لاين | 418 قراءة 

طائرة غير متوقعة تهبط في صنعاء.. مؤشرات على تحولات قادمة؟

نيوز لاين | 416 قراءة 

ظهور أول صورة للمتهم بقتل زوجته وتقطيعها

نيوز لاين | 313 قراءة 

إعلامي عربي يفجر مفاجأة: هذا ما يجب فعله قبل ساعة الصفر

نيوز لاين | 302 قراءة 

حادث مأساوي في الرياض يودي بحياة مغتربين يمنيين..صورة+الاسماء

نيوز لاين | 266 قراءة 

أمريكا تُوجّه أساطيل طائرات التزود بالوقود إلى قطر.. مالهدف؟

الحدث اليوم | 258 قراءة 

شاهد اول صورة لقيام شاب بفتل خاله في عدن الليلة(تفاصيل جديدة)

كريتر سكاي | 229 قراءة