اجعل التجاوز والتغافل والتجاهل فنك الذي تجيده في لحظات توترك نتيجة سماعك لكلام يستهدفك أو يهدف صاحبه لاستفزازك، أو موقف أو كلام لا يعجبك… ففن التجاوز والتغافل والتجاهل مكتسب بالتعلم والتدريب والممارسة، وهو أيضًا موهبة يتخطى من خلالها الإنسان ما لا يستحق التفكير والانشغال فيه، فيحفظ بذلك طاقته بما يؤدي إلى سلامة نفسه ومزاجه من التكدر، وعقله من التشويش على الفهم، وقلبه من أن يغزوه البغض والكره.
فكل إنسان مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن صدقه وعن نواياه تجاه الآخرين والحياة بأحداثها المختلفة، لكنه ليس مسؤولًا عن نوع تفكير الناس ورؤيتهم ومواقفهم وكيفية استقبالهم الكلام والمعلومات وسرديات الأحداث ونواياهم وردود أفعالهم. فردود أفعال الشخص الواحد تتعدد وتتنوع حول موقف واحد أو سردية حدث بعينه، والأمر مرتبط بمزاج المتلقي في الوقت الذي يتلقى فيه ويسمع، وبعلاقته بمن له علاقة بما حصل أو بموضوع سردية حدث ما.
يقول شاعر حكيم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة .. لكن عين السخط تبدي المساوئ.
فمثلًا: قد يتلقى شخص ما كلامًا أو سردية حدث ما، ويكون الكلام صادرًا من شخص هو راضٍ عنه كل الرضا، أو سردية حدث ما لها علاقة بذلك الشخص محل الرضا، فسرعان ما يلتمس الأعذار ويتجاوز عن كل ما سمع أو تلقى، بل قد يتطور رد الفعل إلى عدم التصديق والدفاع عن مصدر الكلام أو عن سردية الحدث. والعكس تمامًا عندما يكون مصدر الكلام وسردية الحدث من قبل شخص ليس محل رضا، بل محل تذمر وسخط وعدم قبول، فتكون ردود الأفعال غاضبة متذمرة متهمة متوعدة حتى قبل معرفة ما حدث بتفاصيله.
فردود الأفعال جاهزة صادرة من عدم الرضا وعدم القبول، والأمر قد لا يكون مرتبطًا بسوابق علاقات متوترة أو مواقف حياتية مؤثرة، بل مرتبط بعملية الرضا والقبول التي هي مرتبطة بالأرواح والقلوب وتلاقيها أو تنافرها، فـ “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف”. ولله في خلقه شؤون، وله الحكمة البالغة في ذلك. فقد يكون الأمر متعلقًا بنفسيات البشر ودواخلها، وقد يكون ابتلاءً وامتحانًا للتربية والترقي، فالله سبحانه وتعالى يعلمنا ويربينا بوسائل وأساليب وطرق كثيرة ومتنوعة، والحليم من يفقه ذلك ويقرأ الإشارات والرسائل بشكل صحيح ويستفيد منها بما يخدمه في تعلمه وتربيته وترقيه من المهد إلى اللحد.
والسلام ختام.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news