تقرير: مستشفى الجمهوري في تعز.. فساد إداري وتدهور خدمات يهددان حياة المرضى
يمثل المستشفى الجمهوري في تعز واحدًا من أهم المرافق الطبية الحكومية، إذ يُفترض أن يقدم خدمات علاجية لآلاف المرضى يوميًا في المدينة المكتظة بالسكان، غير أن شهادات من كادره الطبي والإداري ومن بعض المرضى تكشف عن صورة قاتمة، تتداخل فيها أزمات مالية وإدارية مع فساد في المناقصات وغياب للصيانة، ما أدى إلى انهيار معظم الخدمات الطبية الحيوية.
أموال مجهولة وإيرادات غامضة
تشير مصادر من داخل المستشفى إلى أن هناك مبالغ مالية ضخمة يتم جمعها شهريًا بالتعاون مع منظمة
أطباء بلا حدود
، تقدر بنحو 20 مليون ريال. لكن طريقة إدارة هذه الأموال تظل غير واضحة، حيث يقتصر الاطلاع على تفاصيلها على مدير المستشفى وعدد محدود من المقربين منه.
كما أكدت المصادر أن إيرادات تأجير قاعات المستشفى للمنظمات الإنسانية نهاية عام 2024 بلغت نحو 4 آلاف دولار، دون أن يُعرف أين أُودع هذا المبلغ أو كيف صُرف، في ظل غياب الشفافية المالية.
صفقات مثيرة للجدل ومخالفات في المناقصات
من أبرز الملاحظات التي أثارت استياء العاملين والمرضى:
بيع أسطوانات الأكسجين دون وجود توثيق مخزني كامل، ما يجعل الكميات المباعة غير معروفة بدقة.
فرض رسوم على سيارات الإسعاف دون الإعلان عن الجهة التي تؤول إليها هذه المبالغ.
إرساء مناقصة للمحاليل المخبرية بقيمة 5 ملايين ريال، بينما لا تتجاوز قيمتها الفعلية مليونًا ونصف المليون، وهو ما يثير شبهات حول فارق مالي كبير.
المبالغة في أسعار المشتريات الطبية، حيث تُشترى بعض المستلزمات بأكثر من ثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي في السوق.
ميزانية متضاربة وأرقام صادمة
تقدر الميزانية التشغيلية للمستشفى بنحو 100 مليون ريال شهريًا، أي ما يعادل مليارًا و200 مليون ريال سنويًا، وتشمل إيرادات من "أطباء بلا حدود" وإيرادات تشغيلية وخدمات طبية.
لكن – وفق تقارير المستشفى الرسمية – فإن الإيراد السنوي المعلن لا يتجاوز 800 مليون ريال، ما يكشف عن فارق يصل إلى 400 مليون ريال سنويًا لا يعرف مصيره، وهو ما يستدعي فتح تحقيق رسمي شفاف لكشف أوجه الصرف.
انهيار في الأجهزة والبنية التحتية
الوضع في أقسام المستشفى لا يقل سوءًا عن ملفاته المالية. فالأجهزة الطبية الأساسية تعاني أعطالًا متكررة، أبرزها:
تعطل معظم أجهزة التخدير في غرف العمليات.
توقف عدد من أجهزة الشفط والتكييف.
بقاء جهاز الكتري واحد فقط يعمل.
أعطال متكررة في جهاز الأشعة C-ARM الذي تبلغ قيمته 50 ألف دولار، نتيجة غياب الصيانة الدورية.
أما المباني، فلم تشهد أي ترميم أو صيانة منذ سنوات، حيث تعاني العيادات الخارجية من تدهور أرضياتها وبنيتها التحتية، فيما وُصف قسم الأشعة بأنه "مزرٍ" وغير مؤهل.
أخطاء طبية وخدمات مفقودة
تنعكس هذه الأوضاع على المرضى بصورة مأساوية. من بين أبرز الشكاوى:
إغلاق قسم القلب أمام الحالات الطارئة، وتحويل المرضى إلى مركز تخصصي آخر، ما يؤدي أحيانًا إلى وفاة الحالات بسبب التأخير.
إجراء عمليات الولادة من قِبل أطباء جراحة عامة تحت التدريب، الأمر الذي تسبب في أخطاء جسيمة، مثل ربط الحالب أو ثقب المثانة والأمعاء.
نقص حاد في الأدوية الإسعافية داخل قسم الطوارئ، ما يهدد حياة المرضى في الحالات الحرجة.
دعوات عاجلة للتحقيق
يؤكد مرضى وزوار المستشفى أن هذه الأزمات ليست وليدة اليوم، بل تراكمت عبر سنوات من الإهمال والفساد. ويحذرون من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى كارثة طبية وإنسانية في مدينة تعز التي تعاني أصلًا من الحرب والحصار.
كما طالب ناشطون وحقوقيون وزارة الصحة العامة والسلطة المحلية بفتح تحقيق عاجل وشفاف في ملفات الفساد المالي والإداري بالمستشفى، وإعادة النظر في آليات الرقابة على الإيرادات والمناقصات، إلى جانب صيانة الأجهزة الطبية والبنية التحتية، بما يضمن استعادة ثقة المواطنين وحماية حياة المرضى.
خاتمة
يبقى المستشفى الجمهوري في تعز – على أهميته – نموذجًا صارخًا للتدهور الذي أصاب القطاع الصحي في اليمن نتيجة الحرب والفساد وسوء الإدارة. وبينما يواصل المرضى دفع ثمن هذه الأوضاع، تظل المطالبات بالمساءلة والشفافية قائمة، في انتظار أن تتحرك الجهات المعنية قبل أن تتحول الأزمة الصحية إلى مأساة لا يمكن تداركها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news