تداعيات استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر

     
عدن تايم             عدد المشاهدات : 207 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تداعيات استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر

شهد البحر الأحمر وخليج عدن خلال السنوات الأخيرة تحولات مقلقة جعلت الممرات البحرية الاستراتيجية عرضة للتهديد المباشر، وأحدثها حادثة استهداف ناقلة الغاز "كليبر" في ميناء رأس عيسى بتاريخ 17 سبتمبر 2025، والتي تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية قبل أن يتدخل الحوثيون باحتجاز طاقمها المكوّن من 27 بحارًا بينهم 24 باكستانيًا، وهو ما شكّل انتهاكًا صارخًا لأمن الملاحة وعرّض أرواح المدنيين لخطر جسيم، رغم نجاح جهود دبلوماسية باكستانية سعودية مشتركة في الإفراج عن الطاقم لاحقًا (وزارة الداخلية الباكستانية، 2025).

هذه الحادثة أعادت إلى الواجهة التداخل المعقد بين الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للصراع البحري، فهي لم تكن مجرد عمل منفصل بل جزء من نمط متصاعد يتبناه الحوثيون منذ سنوات، يقوم على الجمع بين استخدام القوة المباشرة والاحتجاز غير المشروع للسفن كوسيلة ضغط سياسية وأمنية.

على المستوى الأمني، الحادثة عكست هشاشة البنية الأمنية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث باتت الممرات المائية عرضة لمخاطر متداخلة، فالطائرات المسيّرة الإسرائيلية والقصف الإسرائيلي لليمن، التحركات الإيرانية عبر سفن ناقلة للغاز أو النفط، وتدخل الحوثيين كطرف مستفيد من الفوضى و محاولة خلط الاوراق لمزيد من التحشيد الجماهيري الداخلي وتعزيز جبهات القتال في مناطق التماس مع قوات الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية، الأمر الذي جعل أي حادث عرضي ذريعة لاحتجاز السفن أو تعطيل الملاحة وابتزاز دول الإقليم و العالم.

كما أن حادثة "كليبر" لم تكن الأولى، إذ سبقتها عمليات نوعية تركت أثرًا بالغًا على أمن الملاحة، منها حادثة إغراق سفينة الشحن "ماجيك سيز" في البحر الأحمر بصاروخ حوثي أدى إلى غرق السفينة بشكل كامل ومصرع أحد أفراد طاقمها، وكذلك استهداف السفينة "إيترنيتي سي" في خليج عدن أواخر العام نفسه، والتي أصيبت بأضرار بالغة جراء هجوم صاروخي وتفجيرها واغراقها بما تحمله من حمولة ذات اضرار بيئية كبيرة على البحرالأحمر و الدول المشاطئة له، ما اضطر شركات النقل إلى إعادة النظر في خطوطها البحرية (أسوشيتد برس)، وقبلها في نهاية 2023، وقعت حادثة اختطاف السفينة "جلاكسي ليدر" وطاقمها المكوّن من أكثر من 25 بحارًا، في عملية استعراضية بثها الحوثيون عبر وسائل إعلامهم، ما شكّل أول سابقة لاحتجاز طويل الأمد لسفينة تجارية دولية في البحر الأحمر.

هذه السلسلة من الحوادث تؤكد أن البحر الأحمر بات ساحة صراع مفتوحة، تتقاطع فيها خطوط التوتر بين إيران وإسرائيل، فيما يلعب الحوثي دور الوكيل الميداني، مستثمرًا أي حادثة لإظهار قدرته على التأثير في الممرات العالمية وإقحام اليمن في حسابات صراع أكبر.

إلى جانب ذلك، فإن التداعيات الاقتصادية لهذه التهديدات تتضح من خلال ارتفاع تكاليف التأمين والشحن، وتحويل بعض الخطوط البحرية عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما انعكس سلبًا على قناة السويس التي تراجعت عائداتها منذ بداية 2024 (هيئة قناة السويس، 2024)، و هذا الوضع يخلق بيئة غير مستقرة، ويجعل المنطقة أكثر عرضة لارتدادات اقتصادية وأمنية متواصلة.

عند المقارنة مع تجربة القرصنة الصومالية في العقد الأول من الألفية الجديدة، يمكن القول إن البحر الأحمر اليوم يواجه وضعًا أكثر تعقيدًا، ففي حين كانت القرصنة الصومالية ذات طابع جنائي اقتصادي بحت جرى تطويقه عبر عمليات دولية منسقة مثل "أتلانتا" التابعة للاتحاد الأوروبي و"المحيط الهادئ" التابعة للناتو، فإن تهديدات الحوثيين ذات طبيعة سياسية وأيديولوجية مدعومة من دولة إقليمية، ما يجعل الحل العسكري وحده غير كافٍ دون مقاربة شاملة تتضمن الضغط السياسي على إيران، وتعزيز منظومة الردع البحري، وربما إعادة صياغة التحالفات البحرية الدولية بشكل أوسع وأكثر صرامة، خاصة مع لقاء الرئيس العليمي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من قيادات الدول في نيويورك هذه الأيام على هامش اجتماع الأمم المتحدة.

أما على الصعيد اليمني، فإن الحوثيين يواصلون توظيف هذه العمليات لابتزاز المجتمع الدولي وإظهار أنفسهم كقوة إقليمية صاعدة، لكن ذلك يعمّق في الوقت ذاته من عزلتهم ويضعهم في مواجهة مباشرة مع تحالف دولي قد يتشكل قريبًا لردعهم، خصوصًا إذا تكررت عمليات الاختطاف أو الإغراق.

في المحصلة، فإن حادثة "كليبر" وما سبقها من هجمات على سفن مثل "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي" و"جلاكسي ليدر"، تضع البحر الأحمر وخليج عدن أمام مرحلة جديدة من عسكرة الملاحة، حيث تتحول الممرات البحرية من مجرد خطوط تجارية إلى ساحة اختبار لإرادات إقليمية ودولية، ما يجعل أي تقاعس عن مواجهة هذه التهديدات مقدمة لسيناريو أشد خطورة على أمن الطاقة العالمي وعلى الدول المشاطئة، وفي مقدمتها اليمن ومصر والسعودية.

أ.د.عبدالوهاب العوج

أكاديمي ومحلل سياسي يمني

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

فتاة يمنية تفر من أسرتها عقب محاولة تزويجها بالإكراه وتلجأ للمحكمة مع زميلها في الجامعة.. وهكذا كانت النهاية

المشهد اليمني | 730 قراءة 

تقرير خاص | محمد بن سلمان في البيت الأبيض.. زيارة تُعيد رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط (فيديو)

بران برس | 718 قراءة 

تعز.. أمن الوازعية يستعيد أجهزة "إدرا" المنهوبة ويطارد المتورطين

حشد نت | 458 قراءة 

صور الأقمار الصناعية تكشف مفاجأة صادمة في هذه المحافظة .. تعرف على تفاصيلها!

صوت العاصمة | 416 قراءة 

الإطاحة بـ‘‘خائن الأمانة’’ في عدن بعد اختلاسه أكثر من 300 ألف ريال سعودي

المشهد اليمني | 371 قراءة 

بنك عدن يعلن عن انفراجة كبرى في صرف المرتبات

كريتر سكاي | 365 قراءة 

العليمي يبرق لسلطان عمان

الوطن العدنية | 349 قراءة 

تحرك أممي عماني حوثي جديد في مسقط وإعلان رسمي بشأنه

المشهد اليمني | 334 قراءة 

قصة مصورة | الجريح فيصل الصلاحي.. حكاية مأساة صنعها الإجرام الحوثي (فيديو)

بران برس | 277 قراءة 

أول تحرك لبن بريك عقب وصوله إلى عدن

الحدث اليوم | 265 قراءة