يمن إيكو|تقرير:
يشهد الوجود الاسرائيلي المصطنع في قلب فلسطين تطورات دراماتيكية قاسية على ذاكرة الاحتلال كترسانة عسكرية للاستعمار الغربي في الشرق الأوسط، تتمثل هذه التطورات في الاختراقات اليمنية المتكررة لطبقات منظومات الدفاعات الجوية الإسرائيلية الأحدث في العالم، وكذلك اتساع العزلة الدولية التي تجلت في خروج الوفود العالمية من قاعة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، وما خلقه مشهد الخروج الجماعي من موجة إحباط جديدة في الداخل الإسرائيلي عززت مخاوف المستوطنين من مغبة الاستمرار في أرض لا يملكونها.
الخطر الحقيقي، ليس في أن هذه التطورات والمستجدات غير المسبوقة في تاريخ الاحتلال، وضعت ظاهرة الهجرة العكسية من داخل المستوطنات أمام تحولات جديدة أكثر جبرية من أي وقت مضى، بل يتمثل الخطر في أن هذه التطورات عززت بشكل واضح الهجرة العكسية بفهوميها الاستيطاني والاقتصادي، عبر رحيل الشركات الكبرى والرساميل العالمية، من إسرائيل، وإيقاف العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري من قبل دول أوروبا (الشريك التجاري الرئيسي والأكبر لإسرائيل)، وعلى سبيل المثال إسبانيا التي ألغت أربع صفقات تجارية بينها صفقات أسلحة، خلال أشهر، وفقاً لما أكدته صحيفة “كالكاليست” العبرية.
الهجرة العكسية.. أرقام صادمة
ورغم أن الأشهر الأخيرة شهدت تعتيماً إعلامياً إسرائيلياً كبيراً واستهدف جيش الاحتلال الصحافيين وقمع مراكز الأبحاث، وعزز قيود السفر إلى خارج المستوطنات، إلا أن أرقاماً صادمة كشف عنها مؤخراً تفيد أن ظاهرة الهجرة العكسية تفرغ إسرائيل من المستوطنين الإسرائيليين، الذين أغلبهم من رجال المال والأعمال والمستثمرين القادرين على السفر، وفق وسائل الإعلام العبرية.
وأفاد تقرير صدر في السابع عشر من سبتمبر الجاري عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، بأن عام 2024 شهد موجة هجرة ملحوظة من إسرائيل، إذ غادر البلاد نحو 82 ألف إسرائيلي (مستوطن)، في حين استقبلت فقط 31 ألف قادم جديد، ما يعكس اتساع الفجوة بين أعداد المغادرين والوافدين في ظل ظروف داخلية معقدة.
وأكد التقرير أن عدد سكان إسرائيل تجاوز 10 ملايين نسمة مع حلول رأس السنة العبرية، وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل النمو السكاني خلال العام العبري الماضي بلغ 1.2%، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بمعدل 1.6% في العام الذي سبقه.
وبحسب مسح أجرته مؤسسة “سي آي ماركتنغ” ونقلته صحيفة هآرتس العبرية من المرجح أن تتفاقم هذه الظاهرة في 2025. فقد أشار هذا المسح، إلى أن 40٪ من الإسرائيليين الذين ما زالوا في البلاد، يفكرون هم أيضاً في المغادرة، لكن المؤشر الأهم في تصاعد الهجرة العكسية من إسرائيل يتمثل في نخبوية المهاجرين، الأمر الذي سيشل تدريجياً محركات النمو الاقتصادي. حسب المراقبين والباحثين.
وأكد رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط سابقاً، علاء حيدر، أن إسرائيل شهدت في الفترة الأخيرة تزايداً في ظاهرة “الهجرة العكسية”، حيث يهاجر أفراد وعائلات وكوادر مهنية وعلمية وعمال ومستثمرين من داخل إسرائيل إلى دول أخرى، مؤكداً أن التقارير الإعلامية تشير إلى وجهات الهجرة الأكثر شيوعاً والتي تشمل أوروبا وأمريكا الشمالية، ودولاً ذات طابع اقتصادي مزدهر.
وأوضح حيدر أن الهجرة العكسية تعد مصدر قلق للسلطات الإسرائيلية لما تسببه من استنزاف لرأس المال البشري والاقتصادي، مشيراً إلى أن استمرار هذه الظاهرة ستفضي تدريجياً إلى خلخلة التركيبة الديموغرافية، وستضعف قدرة إسرائيل على استقطاب المهاجرين الجدد.
القطاعات المتضررة
تشير التقارير إلى أن معظم المغادرين منذ اندلاع الحرب ينتمون إلى الفئات الأكثر تعليماً، وأصحاب الكفاءات والشهادات العليا في مجالات التكنولوجيا، والقطاعات الحيوية، والطب وغيرها، حسب صحيفة هآرتس العبرية، التي أكدت أن أعمار 81٪ من المهاجرين من إسرائيل تتراوح بين 25 و44 عاماً.
واعتبرت الصحيفة أن تركز الهجرة العكسية في فئة الشباب، مؤشر خطير لكونهم عماد نهوض أي دولة، موضحة أن هؤلاء المهاجرين عموماً هم من الأشخاص الذين تلقوا تعليماً عالياً وهم من العلمانيين أيضاً.
وحسب تحليل استراتيجي أجرته صحيفة “ذا جويش إندبندنت” الإسرائيلية، فإن هؤلاء يعدون من الإسرائيليين “الأكثر قابلية للاندماج في المجتمعات الأخرى”، وفق الباحثين.
وقال ديفيد ريغوليه روز، الباحث بالمعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي (IFAS) والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط لوكالة فراس برس، إن “ظاهرة هجرة الأدمغة تمس بشكل رئيسي الإسرائيليين الأشكناز، الذين ينحدرون من مجتمعات يهودية استقرت في أوروبا الوسطى والشرقية، بالأحرى من اليسار، مثل المؤسسين العلمانيين للدولة”.
الإحباط النفسي والاجتماعي
تزايد الهجرة العكسية المقرونة بالتطورات والتحولات القاسية التي تشهدها حكومة الحرب الإسرائيلية، والتي كان آخرها الاختراقات اليمنية وبلوغ العزلة الدولية ذروتها في قاعة الأمم المتحدة، كلها عوامل عززت الإحباط النفسي والاجتماعي لدى الإسرائيليين في الداخل، وفقاً لما نقلته “هارتس” العبرية عن شخصيات وكوادر إسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن “تروي شيرا” (إسرائيلية بالغة من العمر 41 عاماً) قولها: “باتت الحياة هنا لا تُطاق. أنا أشعر وكأنما يتم سلب حقي في أن أشعر بأنني في منزلي، مؤكدة أنها “ستغادر حتماً” إسرائيل.
فيما أكدت سارة يائيل هيرشهورن (مؤرخة إسرائيلية أمريكية بجامعة حيفا وباحثة في معهد سياسة الشعب اليهودي بالقدس)، أن هذه النخب والعقول ترحل أيضاً، لأن لها القدرة المادية على تحمل التكاليف، مشيرة إلى أن الهجرة نحو دول مثل الولايات المتحدة، ستكون أسهل بالنسبة للأشخاص الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية، ولديهم جواز سفر ثانٍ، ويتمتعون بمهارات يمكن استخدامها بالخارج، وخصوصاً في المجال التكنولوجي والبحثي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news