كشف نائب الرئيس اليمني الأسبق الفريق علي محسن صالح الأحمر، ولأول مرة، تفاصيل يومه الأخير في العاصمة صنعاء قبل سقوطها بيد جماعة الحوثي في الـ 21 سبتمبر/أيلول 2014، مرفقا صوراً توثق مغادرته على متن طائرة عسكرية إلى المملكة العربية السعودية صباح اليوم التالي.
وقال الأحمر، في مقال له على منصة إكس، بمناسبة الذكرى الـ63 لثورة الـ 26 من سبتمبر المجيدة 1962م: "إن الحديث عن هذه الذكرى العظيمة، والتهنئة بها، ليس مجرد حديثٍ عابرٍ نُسقط به واجباً سنوياً علينا، ولا مجرّد لحظة امتنان آنيّة نستذكرها لهذا الحدث الوطني الخالد ورجالاته الأماجد؛ ولكنه حديث متجدّد نابعٌ من القلب، يمنحنا فرصة الدراسة والتقييم لماضينا، والمعالجة والتخطيط لحاضرنا ومستقبلنا اليمني".
وأضاف: "على ذكر حدث الثورة المباركة وفرحة اليمنيين الغامرة بها، لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عمّا عاشته وتعيشه بلادنا طوال عقدٍ عصيب مضى، بدأ مع الانقلاب الحوثي الكهنوتي وتسليم العاصمة صنعاء له في 21 من سبتمبر 2014، في محاولةٍ لطمس ذكرى الثورة اليمنية المجيدة سبتمبر وأكتوبر، وتاريخها الساطع ومبادئها الراسخة".
وأشار إلى أن التاريخ يُعيد نفسه، وفيه الدروس لمن يتفحّص ظواهره ويعتبر من دوران أحداثه، مؤكدا أن "ما جرى في سبتمبر 2014م إلى اليوم لا يختلف تماماً عن جولات عدّة وعراكٍ دائمٍ لليمنيين الأحرار في وجه محاولات غزو وتمدد الإمامة منذ مجيء الكاهن يحيى الرسي وحتى يومنا هذا".
وأوضح أن حوادث محاولات الإمامة والإماميين لاجتياح العاصمة صنعاء كثيرة ومتكررة عبر التاريخ، مشيرا إلى أن "المتغيّر الوحيد الحاسم في نجاح هذه المحاولات من عدمها هو مستوى تماسك ووحدة اليمنيين وترابطهم ضد هذا العدو الأزلي، ومدى قدرتهم على عدم التفريط ببعضهم البعض وبمكتسباتهم، وقدرتهم على تجاوز الخلافات البينية لأجل غاية الردع والصمود في وجه هذه الفئة الباغية".
وقال الأحمر: "بعد قيام الثورة اليمنية المباركة وبزوغ فجر الـ 26 من سبتمبر المجيد 1962م، كانت أولى المحاولات الإمامية وأشرسها للسيطرة على العاصمة صنعاء واستعادتها إلى حضن الإمامة، تلك التي حدثت خلال عامي 1967م و1968م، فيما عُرف بـ “حصار الـ 70 يوماً”، والتي هُزمت فيها الإمامة شرّ هزيمة وولّت أدبارها، بتكاتف ووحدة اللحمة اليمنية؛ ليستمر الجهد والعمل السلالي واللوبي الإمامي المتربص في الإعداد للدورة التالية التي نُفّذت في العام 2014م، التاريخ القريب والمشهود لدى كل فئات الشعب اليمني".
وأردف: "لقد شهدْتُّ بنفسي موقفين مُلهمين في الدفاع عن الجمهورية خلال العام 1968م لا يمكن أن يغيبان عن الذاكرة مهما تقادمت بنا السنين والأيام، ومرت بمسيرتنا تقلبات الزمن. ففي ذروة التباين والاقتتال الذي حصل بين قوى الجمهورية في أحداث أغسطس المؤسفة، وفي وقتٍ لا تزال فلول الإمامة تتربص بالعاصمة صنعاء، رأت، بفعل هذا الخلاف، أن الفرصة مواتية لها للانقضاض على الجمهورية والعاصمة، فكان أن نفّذت هجومين متتاليين على قوات الجيش والمقاومة الشعبية، لكن المفاجئ في الأمر والصدمة التي شكّلت ضربةً للإمامة، هي أنه في حدّة المواجهات والاشتباكات بين خصوم أبطال السبعين، كانت تعود الاتصالات سريعاً بين الطرفين لوقف المعارك بينهما وإدارتها نحو القوات الإمامية ووضع الخطط للدفاع عن العاصمة، ونسيان المعركة والخلافات الشخصية التي حصلت بينهما في تجرد تام أمام أولوية الخصومة وكأن شيئاً لم يكن. وهذان الموقفان من المواقف العالقة في الذاكرة، والتي تُثبت أخلاق الكبار واختلاف الرجال، وعدم التفريط بمركز الدولة والجمهورية والمبادئ الكبرى والثوابت الوطنية مهما كان الجرح غائراً".
وجدد محسن، التأكيد أن رأس مال اليمن والجمهورية والوحدة هو في وحدة صف اليمنيين وفي نفوسهم الكبيرة التي تتعالى على الصغائر وعلى الأهواء، وتعمل على ردم الفجوات والخلافات لأجل أهداف سامية تتمثل في الحفاظ على المكتسبات الوطنية الغالية.
وأوضح أن المعايير المادية والعسكرية أبداً ما كانت هي الفيصل أو العامل الرئيسي في النصر، مشيرا إلى أن المحاولتين الإماميتين لإسقاط العاصمة صنعاء أبرزُ دليلٍ على هذه الحقيقة الثابتة. مضيفا: "لقد كسر أبطال السبعين بترفعهم عن الصغائر وبعزيمتهم وإرادتهم الصلبة، من جيش وأمن وطلاب وعمال ومقاومة شعبية لا تتعدى جميعها أربعة آلاف فدائي ومقاتل جمهوري يفتقدون لأي منفذ للدعم والتعزيز، كسروا جيشاً جراراً من عشرات الألوف من المرتزقة والمجندين الإماميين المزوّدين بأحدث العتاد والأسلحة".
وتابع: "على النقيض من ذلك تماماً، في العام 2014م، إذ كانت الميليشيا الحوثية الإمامية لا تتعدّى بضعة ألوف، في حين تتكدس داخل العاصمة المعسكرات والوحدات ومقرات الأمن، وبعشرات الألوف من الضباط والجنود الصادقين المخلصين، الأشاوس الذين لم يفقدوا البوصلة الوطنية يوماً ما، وإنما انتظروا وافتقدوا لوحدة الكلمة وللقرار القيادي الشجاع الذي ضاع في يومٍ مفصلي من مسيرتهم العسكرية ومن تاريخ اليمن الحديث".
ولفت محسن إلى إن لـ "التنافس اللامبدأي واللامنطقي وللرغبات الشخصية وقصْر النظر دورٌ في إسقاط الأهداف الكبرى أمام حثالة لا تعد بقوة، فسُلّمت الدولة على طبق من ذهب لهذه الفئة التي شرب الناس إلى اليوم كأس المنون على يدها".
وتحدث عن المواجهات العسكرية الأخيرة مع الحوثيين قبيل سقوط صنعاء، حيث قال: وقَفَت وحداتٌ رمزية متبقية من الفرقة الأولى مدرع وحدها مع مجموعة من المتطوعين الصادقين في مواجهة الجولة والهجمة الإمامية الأخيرة، وسط حملات واستهداف من مختلف الأطراف والجهات. وعُدّ تاريخ سقوط الفرقة في الـ 21 من سبتمبر 2014م سقوطاً لعاصمة اليمن ودولته المركزيّة، ويوم نكبةٍ حلّت على الوطن وشعبه".
وقال محسن، إن "الفرقة المدرعة الأولى ظلت طوال دهرها صمام أمان للوطن بأسره، وحارساً أميناً لهيكل الدولة، وعموداً للمؤسسة العسكرية، ودرعاً وحصناً للجمهورية، لم تهادن يوماً قوى الإمامة ولم تفرّط في أيٍ من مكاسب الجمهورية، وقبل سقوطها كانت أخلاق السياسة وأساليب ممارساتها بين الخصوم السياسيين هي الأكثر سقوطاً وتهاوياً".
وتابع: "في ذلك الوقت الحرج بذلنا جهداً صادقاً ومخلصاً حتى آخر لحظةٍ من أمل، في محاولة منا لعودة التلاحم والتنسيق بين أصحاب القرار والقوى الحية والمؤثرة، تأسّياً بأبطال السبعين يوماً، بهدف إدراك ما فات. وظللنا باستعدادنا العسكري وهيئتنا وجاهزيتنا الكاملة من أجل العودة، إلا أن المهادنة من قبل الجميع كانت هي الرغبة السائدة، ففضلوا الارتهان لسرابٍ من الوعود والأوهام، وانجرّوا لاتفاق شكلي مع عدوٍ متربص كاذبٍ لا يرقب في يمنيٍ إلّاً ولا ذمة".
وأشار إلى أنه "حين انقطعت كل الآمال، وتبددت خيارات توحيد الجهود، كان أن اتخذنا قرار انحيازنا إلى فئة، وغادرنا مهبط دار الرئاسة على متن طائرة عسكرية (كما في الصورة أدناه) صبيحة الـ22 من سبتمبر 2014م، انحيازاً إلى فئة وإلى جار شقيق، إلى أرض الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية الشقيقة وقيادتها النجيبة ورجالها الأوفياء، ليبقى هدف التحرير واستعادة الدولة همّاً كان ولا يزال وسيظل يحمله كل أبناء اليمن بين جنباتهم، بالتحامهم وتناسيهم للتباينات الطفيفة، مستلهمين دروس ملحمة السبعين يوماً، ويحمل هذا الهمَّ معهم أشقاءهم الأوفياء، حتى تحقيق النصر وعودة يمنُ الحكمة والإيمان، يمناً جمهورياً، نابذاً “ولاية الفقيه” وطارداً مشروع الخراب الفارسي وأدواته الطائفية والسلالية والعنصرية المقيتة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news