أكد أستاذ الفكر التربوي الإسلامي الدكتور أحمد الدغشي، أن جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، “نسخة مصغرة من الإمامة، تستلهم أساليب العنف والقمع من أئمة سابقين مثل الهادي الرسي وعبدالله بن حمزة والمطهر بن شرف الدين”.
وأضاف الدكتور الدغشي، في حديث خاص لـ“برَّان برس”، أن الجماعة الحوثية “لم تتوقف عند كونها امتدادًا لمساوئ الإمامة، بل فاقتها وحشيّة وتدميرًا، مستفيدة من معطيات المرحلة رقميًا وتكنولوجيًا”.
وتابع: “إذا عدتَ إلى ما كتبه الإمام الهادي الرسي- على سبيل المثال- بوصفه مؤسس المدرسة الهادوية الزيدية (الإمام زيد بريء من نسبة ذلك إليه)، وكذلك عبدالله بن حمزة أو المطهر بن شرف الدين... تجد أنهم مؤسسو العنف الذي تمشي وفقه الحوثية اليوم”.
و“الدغشي” من أوائل الأكاديميين اليمنيين الذين درسوا الظاهرة الحوثية، ومنها كتابه “الحوثيون.. دراسة منهجية شاملة” الصادر عام 2009، ودراسة أخرى عن الحوثيين ومستقبلهم العسكري والسياسي والتربوي عام 2012، ولديه كتاب جديد ينتظر النشر عن “التداعيات التربوية والنفسية والأكاديمية للحوثيين منذ كارثة 21 سبتمبر/أيلول 2014”. كما نشر نحو 30 كتابًا وعشرات الأبحاث العلمية المحكَّمة التربوية والعامة، إضافة إلى مقالات ركّز كثير منها على تحليل الفكر التربوي للحركات الإسلامية وتأثيرها في المجتمع اليمني والإسلامي عمومًا.
تقمّص التوحّش
في سياق المقارنة، قال “الدغشي” إن الحوثيين يتقمصون شخصية الهادي الرسي في وحشيته، مستشهدًا بما فعله “بأهل وادي وائلة من أبناء نجران، عندما مثَّل بهم وعلقهم في الشجر وأهانهم وظلوا أيامًا على هذه الحال، متجاهلًا توسلات أهاليهم لأخذ جثثهم، ولم يسمح بذلك إلا بعد أيام”. مؤكدًا أن “الحوثيين الآن يتقمصون شخصية الهادي في هذا حذو القذة بالقذة، مع أساليب عصرية أكثر توحشًا”.
وربط بين ممارسات الحوثيين وما وصفها بـ“الجريمة الكبرى” لعبدالله بن حمزة في إبادة المطرفية، التي قال إنها “كانت محل احتجاج بعض الفقهاء والصالحين الذين قالوا له: لا يجوز أن تفعل كل هذا بهؤلاء وهم منا وفينا. فرد عليهم: انظروا ماذا فعل الإمام الهادي بمن خالفوا وخرجوا عن طاعته من أهل وادي وائلة!”.
ولهذا قال إنهم “يتواصون بهذا الأسلوب الوحشي في التنكيل بالمخالف خلفًا عن سلف”. وأضاف أن “هذا النهج تواصل إلى المطهر بن شرف الدين، وإلى آخر بيت حميد الدين، وصولًا إلى الحوثيين اليوم بهذا الشكل الذي جمع كل سوءات طغاة الأئمة”.
بين الغباء والتذاكي
وعن أوجه التشابه والاختلاف، قال إن الإمامة السابقة “كانت تتسم بالغباء والغطرسة إلى حدّ كبير، وتقوم بأعمالها القمعية دون اكتراث باللوم أو انتقاد الآخرين وتشنيعهم لهذا السلوك لأنهم طغاة، في زمن مغلق وبيئة أشدّ انغلاقًا. أما الحوثيون فيتذاكون في محاولة إظهار أنفسهم أنهم مسالمون، وأن كل ما ينسب إليهم مجرد اتهامات من العملاء والمرتزقة... إلخ. وبلغت الوقاحة ببعضهم إلى تشبيه السجون الحوثية بفنادق خمسة نجوم”.
واعتبر هذا المثل دليلاً على “خداع الحوثيين ودناءتهم في الوقت ذاته”. ورغم هذا، قال إنه “لسوء حظ الحوثيين أنهم جاؤوا في مرحلة الفضاء الكوني والثورة المعرفية والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل إخفاء جرائمهم شبه مستحيل”.
وإجمالًا، قال إن “الطغاة السابقين كانوا أغبياء بحكم أنهم في بقعة جغرافية محدودة يصعب الوصول إليهم أو معرفة ما عندهم، ومن ناحية أخرى لم يكونوا بهذا الخبث والتضليل الذي يمارسه الحوثيون اليوم. ومع ذلك، فإن سوء حظ الحوثيين كما قلت أنهم جاؤوا في مرحلة، أياً ما حاولوا استغباء الآخرين أو الاستخفاف بمعرفتهم وقدرتهم على فضح أساليبهم، فإن طبيعة هذا العصر تحول دون قدرتهم على إخفاء كل شيء، فالوثائق البصرية والسمعية والكتابية وغيرها تفضح كل مغالطاتهم”.
وتوقع الأكاديمي “الدغشي” أن “لديهم (الحوثيين) أيضًا أمورًا ليست معروفة، ولو سقطوا كما سقط أقرانهم في سوريا لوجدتم الفظائع في سجونهم ربما لا تختلف كثيرًا عما تكشف في سجن صيدنايا”.
اقتباس أعمى
يؤكد “الدغشي” أن الحوثيين تمكنوا من إعادة تدوير مفاهيم الإمامة في سياق الدولة الحديثة “بمثل هذا الاستغباء، فهم يدعون أنهم ليسوا ضد الجمهورية أو ثورة سبتمبر، ويزعمون أن الدستور اليمني الجمهوري لا يزال قائمًا وكذلك الرئيس لا يزال في منصبه، لكنهم في الواقع وضعوا سيدهم مرجعية فوق الجميع تمامًا كما كان الأئمة في الماضي، في حين أنه لا صفة له مطلقًا في الدستور اليمني القائم، الذي يزعمون الاحتكام إليه!”.
ووصف هذا النهج بأنه “اقتباس أعمى من النظام الإيراني”، وقال: “في إيران هناك جمهورية لكن ثمة إمام هو الخامنئي، المرجع الأعلى الذي يمكنه أن يلغي أي شيء دون أن يُسأل عما يفعل. أي جمهورية هذه؟!”.
وعلى نفس المنوال، قال إن الحوثيين “أرادوا استنساخ هذه التجربة الإيرانية، فوضعوا عبدالملك الحوثي سيدًا على الجمهورية المزعومة، وجعلوا كل شيء خاضعًا لهم عبر المشرفين على كل مؤسسات الدولة”، وبالتزامن “حاصروا المناسبات الوطنية الكبرى وأولها ثورة 26 سبتمبر بإلغائها شعبيًا، وملاحقة وتجريم وسجن وإهانة من يحتفي بها، في حين يحتفون بمناسباتهم وفي مقدمتها 21 سبتمبر التي يريدون بها إلغاء 26 سبتمبر”.
وأضاف: “هذا هو التحايل على مفهوم الدولة أو مفهوم الجمهورية بتذاكٍ لا يخلو من غباء. لكن حقيقة الأمر أنهم ضد الجمهورية في كل ممارساتهم، بدءًا من وضع شخصية ليس لها أية صفة في الدستور اليمني، وهو عبدالملك الحوثي، كمرجعية عليا فوق الجميع وفوق الدستور والقانون، مرورًا بالمؤسسات التي لا يحكمها أو يديرها الوزراء وإنما المشرفون الحوثيون، وكذا الأمر في كل المؤسسات”.
الرهائن.. أداة قمع جماعي
وفيما يتعلق بالرهائن، قال إن الحوثية “طوّرت نظام الرهائن والاختطافات ليصبح أداة قمع جماعي مقارنة بما كان عليه في عهد الإمامة”. موضحًا أن الجماعة “غيرت أسلوب الرهائن الفردي الذي كان ينتهجه الأئمة، ولا سيما آل حميد الدين، إلى صيغتين: صيغة عامة تتمثل في معتقل عام وجماعي هو اليمن في المناطق التي تسيطر عليها، وأخرى خاصة تتصل بوضع بعض من ساندهم ضمن الرهائن”.
ولذلك، فإن “كل أبناء اليمن في تلك المناطق عبارة عن رهائن في هذا المعتقل الكبير، وداخله ثمة رهائن ممن ساندهم من المشايخ أي ممن رأوا فيه خروجًا ولو في حده الأدنى عن تعليماتهم”، وهو ما يعكس مفارقة “مخزية”، وفق “الدغشي”.
وبشأن هؤلاء قال: إن الحوثيين “قضوا على العشرات إن لم يكن المئات من المشايخ الذين ساندوهم وأدخلوهم وفتحوا لهم الخطوط”. مؤكدًا أنهم “قضوا عليهم بأساليب غاية في التوحش”، ليتأكد القول المأثور: "من أعان ظالمًا سلّطه الله عليه".
وخلاصة القول، وفق “الدغشي”، إن الحوثيين “استخدموا أسلوب الاعتقال الجماعي على الشعب كله في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وأعادوا أسلوب الأئمة بالضغط على المشايخ والمؤثرين من السياسيين والوجاهات القبلية لمنع تأثيرهم في مجتمعهم بما يخالف سياسة الحوثيين”.
تجهيل وتعبئة مذهبية
وبخصوص التعليم والإعلام، أكد أن الحوثيين بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة “استغلوا هاتين المؤسستين بشكل خطير للغاية”. وهذا برأيه لا يمكن مقارنته بما كانت عليه الإمامة، مضيفًا أنهم “فاقوا حتى الشرعية” في هذا المجال.
وأوضح أنهم “استغلوا مؤسسات التعليم في عملية غسيل دماغ للجيل، سواء عبر المؤسسات التعليمية الرسمية بجميع أنواعها أو على مستوى المناهج الدراسية، أو الأنشطة الموازية الصفية وغير الصفية، وفي مقدمتها ما يسمونه بالمراكز أو المخيمات الصيفية”. وأخطر من كل ذلك ما أصبح يُعرف بـ“مدارس الشهيد القائد، أو مدرسة شهيد القرآن”!
في المقابل، قال إن مؤسسات التعليم في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها تعاني “ضعفًا ماحقًا وقلة اهتمام مؤسفة”!
وحذر من أن جيلًا كاملًا نشأ خلال السنوات العشر الماضية لا يعرف إلا الحوثية، وتربى على فكر الحوثي، ولا يكاد يجد في بيئته المدرسية والمسجدية، وفي الشارع، وعلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل “الحوثية” سوى الحديث عن الحوثي والتقديس له والنفخ في الحوثيين ومسيرتهم.
وعدّ هذه المرحلة (السنوات الأولى من حياة الناشئ) “الأخطر على مسار حياة الطفل وتشكيل شخصيته ومستقبله”. مضيفًا أن “المؤثرات التي صُبغ بها الطفل في هذه المرحلة يصعب إزالتها بعد ذلك إلا بجهود كبيرة مضاعفة، سلبًا أو إيجابًا”.
وبالنسبة للإعلام، قال إن الحوثيين “وظفوه باحترافية عالية لإيصال رسالتهم وتحقيق أهدافهم”، معبرًا عن أسفه لواقع إعلام الحكومة الذي وصفه بأنه “ضعيف، هزيل، مشتت، ومتصارع”!
إعادة إنتاج التمايز السلالي
حذر أستاذ الفكر التربوي من “خطورة إعادة إنتاج التمايز السلالي” الذي قال إنه “اليوم أكثر وأفظع بكثير” من النظام الطبقي السابق. مشيرًا إلى أن “هذا ينسف كل الجهود التي بذلت منذ ثورة 1962 لإزالة العنصرية”.
وقال إن “كل ما قامت عليه الثورة، بدءًا من الدستور والقوانين، ومرورًا بمناهج التعليم ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الرافدة للمدرسة، هدفت لإزالة العنصرية والطبقية في المجتمع، لكنها عادت اليوم بشكل فظيع”. مضيفًا أن هذه الظواهر لم تعد كما كانت فقط، بل “زادت أكثر وأكثر”.
وفي هذا السياق، انتقد بشدة ما اعتبره “أسلوبًا متخلفًا” لطرف محسوب على الشرعية، والذي قال إنه عزّز “العنصرية السلالية الهاشمية” بدعوته إلى “نزعة قومية عرقية متطرفة تقصي كل من خالفه من الهاشميين”.
واعتبر أن “التعميم حكم جائر وخاطئ على أية فئة اجتماعية، ويعد أحد أساليب تعزيز العنصرية والطبقية في المجتمع اليمني سواء جاء ذلك من الإماميين والحوثيين والهاشمية السياسية، أم من خصومهم الذين يزعمون أنهم ضدهم، لكن بأسلوب همجي متخلف أيضًا”.
تداعيات اجتماعية
عن تداعيات النهج الكهنوتي وانقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014، أكد “الدغشي” أنه “انعكس على كل مفاصل الحياة، لا سيما في المجتمعات الخاضعة للكهنوت الحوثي، مسببًا تخلفًا شاملًا سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وأخلاقيًا”.
وبالإضافة إلى ذلك، قال إنه أحدث تغييرًا سلبيًا كبيرًا في أخلاق الإنسان اليمني ذاته، وذلك في مناطق سيطرة الحوثيين بالدرجة الأساس، وحتى خارجها ثمة أثر سيء وسلبي واضح للحرب على نفوس الكثير للأسف الشديد”.
طرق الوقاية
وحول كيفية تحصين اليمنيين فكريًا واجتماعيًا ضد عودة الإمامة بنسختها الحوثية، اقترح أستاذ الفكر التربوي حلًا متكاملًا على ثلاث مراحل، مشددًا على أن هذا “يتطلب تضافر جهود كل المؤسسات”.
وتتمثل المرحلة الأولى، وفق “الدغشي”، في “المواجهة العسكرية” التي أكد أنه لا بديل عنها ولا خيار غير “الحشد العسكري لمنازلة الحوثية”. مؤكدًا أن “التعويل على أي خيار سلمي أو سياسي مجرد وهم، وترحيل للمأساة”، وعدّها “مؤامرة جديدة تؤسس لحرب أشرس وأعنف، كي يبقى اليمنيون في وضع الاحتراب معظم حياتهم، مرتهنين لجماعة سلالية، عادت إلينا من غبار التاريخ، وتسعى لإعادة اليمن إلى الوراء”.
والمرحلة ذات المدى المتوسط، فهي “بناء المؤسسات الآن في الدولة الشرعية”، واصفًا وضعها حاليًا بأنه “خرب إلى حد لا يشرف حرًا”. وقال: “إذا كانوا صادقين فليبنوا مؤسساتهم التربوية والإعلامية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإغاثية والإنسانية الذاتية، وكل يقوم بدوره كما ينبغي في إطار مؤسسته”.
أما على المستوى البعيد، فهو “ما بعد التحرير”، والذي وصفه بـ“مرحلة الجهاد الأكبر”، وقال إنها “تقتضي إعادة هيمنة الدولة وبسط نفوذها، وخضوع الجميع لها وحدها على نحو مؤسسي سليم، وليس بشكل همجي متخلف، أو متداخل ومضطرب كما كان سابقًا، تحت أية ذريعة أو مبرر”. منوهًا إلى أن هذا تصوره العام لتحصين المؤسسات، وتفصيله “يتطلب شرحًا طويلًا”.
معالجة شاملة للعنصرية
واختتم الدكتور “الدغشي” بالتشديد على “المعالجة الجذرية لكل أشكال العنصرية والتمايز المجتمعي مهما كان نوعها أو مصدرها في إطار معالجة الأزمة اليمنية”، مؤكدًا استحالة نجاح “تركيز الجهود على عنصرية الحوثيين بينما نعاني عنصرية باسم القومية، أو باسم القبيلة أو المشايخ، أو بني فلان وعلان”، مؤكدًا أن هذا “لا يختلف عن علاقة الحوثيين بالهاشميين ببقية الشعب؛ الأولى فقط برداء ديني، وغيرهم بأردية أخرى، وكلها مرفوضة متهافتة”.
ودعا إلى “الالتزام بمفهوم المساواة والكرامة الإنسانية للجميع، كما تدعونا إليها فلسفة التربية الإسلامية، وترسخ هذه المفاهيم عبر مناهج التربية، ومؤسسات التنشئة المتعددة، بما فيها المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة”. مشددًا على ضرورة أن “نكون جادين صادقين في ذلك، وأن نرفض الازدواج في المعايير مع أي طرف”.
ودون هذا، قال: “سنظل في دوامة العنصرية والتمايز، نجأر بالشكوى، لنخرج من دوامة عنصرية الهاشميين والإمامة إلى أنواع أخرى من العنصرية بعناوين مختلفة، تعيدنا إلى المربع الأول- لا قدر الله-”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news