هل ينهار التوافق السياسي؟ قراءة في مستقبل القيادة الرئاسية

     
المرصد برس             عدد المشاهدات : 82 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
هل ينهار التوافق السياسي؟ قراءة في مستقبل القيادة الرئاسية

منذ لحظة إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بدا وكأنه ولِدَ كتسوية اضطرارية لإدارة أزمة متعددة الرؤوس أكثر من كونه مشروعًا لبناء دولة. ومع مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذه التجربة، تزداد القناعة بأن المجلس يقترب من لحظة اختبار صعبة، قد تحدد إن كان سيصمد كإطار سياسي جامع، أم سيتداعى تحت ثقل خلافاته الداخلية وانهيار مؤسسات الدولة. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل بدأ العد التنازلي فعلاً لهذه التجربة؟

منذ البداية، افتقر المجلس إلى صيغة ملزمة لاتخاذ القرار، وظل رهينًا لمعادلة “التوافق” بين مكوناته. لكن التوافق في بلد يعيش حربًا وانقسامات ليس ضمانة، بل أداة شلل. فقد تحولت آلية اتخاذ القرار إلى مساومات لا تنتهي، وأي اختلاف بين عضوين كان كافيًا لتعطيل ملفات حيوية تتعلق بالاقتصاد أو الأمن أو الخدمات. وبدلًا من أن يتحول المجلس إلى قيادة فعلية، بدا كل عضو فيه وكأنه “رئيس دولة صغيرة” داخل الدولة، له حساباته وأجندته الخاصة. هذه الفوضى لم تضعف صورة المجلس فقط، بل شلّت عمل الحكومة وأفقدت الناس ثقتهم بجدوى وجوده. ولعلّ أخطر ما ترتب على هذا العجز أن الأطراف الدولية، من المانحين إلى الأمم المتحدة، صارت تشكك في قدرة المجلس على ترجمة أي اتفاق سياسي مستقبلي إلى واقع عملي.

منذ أن استهدفت جماعة الحوثي موانئ التصدير في أكتوبر 2022، توقفت أهم إيرادات اليمن، وهي عائدات النفط الخام. هذا التوقف أحدث فجوة مالية هائلة، وأفقد الحكومة المصدر شبه الوحيد للعملة الصعبة. ومع غياب هذه الإيرادات، تعاظمت أهمية الموارد المحلية المتبقية: الجمارك، الضرائب، إيرادات الموانئ، الاتصالات، وبعض الرسوم السيادية. لكن بدل أن تتوحد هذه الموارد في قناة مركزية تديرها الدولة عبر البنك المركزي بعدن، تفرقت بين مراكز نفوذ محلية وسلطات أمر واقع. كل محافظة تقريبًا باتت تتعامل مع إيراداتها باعتبارها ملكًا خاصًا، ما ضاعف من شلل الدولة وعجزها عن دفع الرواتب أو تمويل الخدمات. توحيد قناة الإيرادات لم يعد مطلبًا ماليًا فقط، بل صار شرطًا لبقاء فكرة “الدولة” نفسها. فمن دون مركز مالي واحد، لن يكون هناك جهاز إداري قادر على العمل أو التخطيط. ولهذا فإن المجلس الرئاسي اليوم أمام خيار مصيري: إما أن يفرض إرادته لتجميع الموارد تحت سلطة الدولة، أو يعترف عمليًا بأن الدولة قد تفككت إلى كانتونات مالية وسياسية.

لا شيء يكشف عجز المجلس والحكومة مثل ملف الرواتب. منذ سنوات، يعيش ملايين الموظفين من دون دخل منتظم، وبعضهم بلا رواتب لشهور طويلة. هذا الواقع جعل الموظف – الذي يفترض أن يكون العمود الفقري لبقاء الدولة – يفقد الثقة في مؤسساته، ويبحث عن مصادر بديلة للعيش ولو عبر اقتصاد الظل أو المساعدات الإنسانية. إن إنشاء “صندوق طوارئ للرواتب” لم يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية. هذا الصندوق يمكن أن يُموّل لفترة محددة عبر دعم إقليمي ودولي، لكن بشروط واضحة: تنظيف كشوفات المرتبات من الازدواج، اعتماد قاعدة بيانات شفافة، وربط الصرف بنظام رقمي يمنع الفساد. انتظام صرف الرواتب – حتى بنسبة 50% – سيكون بمثابة إنعاش لهيبة الدولة، وسيمنحها فرصة لاستعادة جزء من العقد الاجتماعي مع مواطنيها. أما استمرار العجز، فلن يعني سوى اتساع الفجوة بين السلطة والشعب، وترسيخ القناعة بأن المجلس مجرد واجهة عاجزة لا تختلف عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء.

ما الذي سيحدث لو فشل مجلس القيادة الرئاسي تمامًا؟ الواقع ينبئ أن انهيار هذه التجربة لن يكون حدثًا سياسيًا فحسب، بل كارثة وطنية شاملة. أولًا، سيتعمق الانقسام المناطقي، إذ ستتعامل كل محافظة مع نفسها ككيان مستقل، وستختفي أي سلطة مركزية. ثانيًا، سينهار ما تبقى من الجهاز الإداري، وسيفقد المواطن آخر خيوط الأمل في وجود دولة قادرة على تقديم الخدمات. ثالثًا، سيتراجع الاهتمام الدولي بالشرعية، وقد تجد القوى الكبرى نفسها مضطرة للتعامل مع سلطات أمر واقع محلية بدلًا من حكومة موحدة. وهذا يعني ببساطة أن حلم الدولة اليمنية سيغدو أكثر بعدًا، وأن الحرب ستمتد لعقود إضافية بصور جديدة.

إن المؤشرات كلها تقول إن المجلس الرئاسي يقف عند مفترق طرق خطير. فإما أن يعيد بناء آلية اتخاذ القرار، ويوحّد ما تبقى من الإيرادات المحلية، ويضمن انتظام الحد الأدنى من الرواتب، أو أنه سيدخل في مسار الانهيار التدريجي. الشعارات السياسية عن “استعادة الدولة” أو “التحرير” لن تُجدي ما لم تُحل هذه القضايا الثلاث أولًا. فالناس لا ينتظرون بيانات سياسية، بل يريدون كهرباء ورواتب وأمن. وإن عجز المجلس عن ذلك، فإن العد التنازلي لنهايته قد بدأ فعلاً، وما سيتبقى بعده هو فراغ كارثي سيدفع اليمن ثمنه لعقود طويلة

الحكومه

المواني

مجلس القيادة

شارك على فيسبوك

شارك على تويتر

تصفّح المقالات

السابق

قناة سبأ تعزز حضورها الجنوبي بانضمام إعلامي بارز

التالي

إعلان مشروب “الخميس ” يضع المذيعة بغداد في مرمى الجدل


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

السعودية تطلق مبادرة جديدة لدمج العمالة اليمنية في سوق العمل

المرصد برس | 613 قراءة 

رئيس الحكومة يرفض العودة إلى عدن دون ضمانات دولية وصلاحيات كاملة بلا تدخلات

نافذة اليمن | 560 قراءة 

مسؤول بارز في حزب الإصلاح يقدّم استقالته ويعلن انسحابه من المجلس كليًا

جهينة يمن | 542 قراءة 

عاجل:سائق الدراجة في جريمة اغتيال افتهان المشهري يفجر مفاجأة جديدة

جهينة يمن | 448 قراءة 

عاجل:مدرعات وأطقم عسكرية تجوب شوارع تعز

كريتر سكاي | 381 قراءة 

شاهد بالصور ... الإنتشار الأمني الواسع والذي يجتاح هذه المحافظة الآن

جهينة يمن | 322 قراءة 

المخلافي يقتل زوجة عمه في تعز

كريتر سكاي | 285 قراءة 

صور الاقمار الصناعية تكشف سر "القاعدة العسكرية" التي تكبر في صمت بمحافظة شبوة!!

جهينة يمن | 277 قراءة 

رئيس الوزراء يشترط ضمانات أمنية وسلطات كاملة قبل العودة إلى عدن

موقع الجنوب اليمني | 271 قراءة 

عاجل:القبض على قيادي عسكري كبير بتعز على خلفية قضية اغتيال افتهان المشهري

جهينة يمن | 248 قراءة