تعيش مدينة تعز لحظة فارقة من تاريخها الحديث؛ فالحاضرة الثقافية التي طالما مثّلت روح اليمن الفكرية والفنية، تحولت اليوم إلى مسرح مفتوح للفوضى والاغتيالات والانفلات الأمني، وسط اتهامات متزايدة لحزب الإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، بالمسؤولية المباشرة عن هذا المشهد الذي يخنق المحافظة منذ ما يقارب عقدًا من الزمن.
اغتيال يهز الشارع ويكشف عمق الانفلات
في صباح 18 سبتمبر 2025، اغتيلت الدكتورة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، برصاص مسلحين في وضح النهار شمالي المدينة. الجريمة التي صدمت الأهالي لم تكن مفاجئة تمامًا، إذ كانت الضحية قد تلقت تهديدات متكررة من عناصر مرتبطة بقيادات نافذة دون أن تحظى بأي حماية من الأجهزة الأمنية.
ولم تمضِ ساعات حتى شهدت المدينة جرائم أخرى؛ إطلاق نار على حافلة ركاب أسفر عن إصابات خطيرة، ومحاولة اغتيال جديدة استهدفت مدنيًا أمام منزله، وصولًا إلى وفاة طالب جامعي متأثرًا بجراحه. سلسلة الأحداث تلك عمّقت شعور المواطنين بأن تعز تُدار من قبل السلاح المنفلت، وأن الفوضى باتت القاعدة لا الاستثناء.
حشود غاضبة تتحدى هيمنة الإخوان
مع اتساع رقعة الجرائم، خرجت موجات احتجاجية عارمة في شوارع تعز. وعلى مدى أربعة أيام متواصلة، تدفق الآلاف إلى وسط المدينة، حيث تحولت التظاهرات في 21 سبتمبر إلى اعتصام مفتوح أمام مبنى السلطة المحلية.
المحتجون لم يكتفوا بالمطالبة بالقبض على قتلة افتهان المشهري، بل رفعوا سقف مطالبهم إلى إقالة القيادات العسكرية والأمنية المرتبطة بحزب الإصلاح، وإعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية على أسس وطنية. الشعارات التي رددها المتظاهرون حمّلت محافظ المحافظة نبيل شمسان، وقائد المحور خالد فاضل، ومدير الأمن منصور الأكحلي، المسؤولية المباشرة عن حالة الانفلات، مؤكدين أن صبر الشارع قد نفد.
المشهد أظهر أن جريمة اغتيال المشهري لم تكن مجرد حادثة منفردة، بل الشرارة التي كشفت عمق الأزمة الممتدة منذ عشر سنوات من الهيمنة الحزبية، والتي حولت تعز إلى ساحة مفتوحة للفوضى والجرائم المنظمة.
ارتباك الإصلاح وتراكم الفوضى
أمام الضغط الشعبي، ظهر حزب الإصلاح في حالة تخبط. فقد حاول بداية امتصاص الغضب بإعلانات عن اعتقال متهمين وُصفت شعبيًا بـ”المسرحية الهزيلة”، ثم لجأ إلى اللعب بورقة “المناطقية” عبر اتهام أبناء شرعب ومخلاف بالوقوف وراء الجرائم، قبل أن يتجه إلى رمي المسؤولية على خصوم سياسيين. ومع تصاعد السخط الشعبي، استُخدمت ورقة “الخطر الحوثي” بزعم أن أي احتجاجات ضد الفوضى تخدم أجندة الميليشيا.
غير أن هذه المحاولات قوبلت بسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى ناشطون أنها محاولات يائسة للتهرب من المسؤولية. وزادت الضغوط مع تداول وثائق رسمية تكشف عن 39 مطلوبًا أمنيًا متورطين في جرائم قتل واعتداءات، معظمهم ينتمون لتشكيلات محسوبة على الإصلاح، دون أن تنفذ بحقهم أوامر قضائية.
اقرأ ايضا:
رسالة جماهير تعز: لا مكان للقيادات الفاسدة واستعادة الأمن أولوية
ويرى مراقبون أن جريمة اغتيال افتهان المشهري شكّلت نقطة تحول فارقة في مسار الأحداث بتعز، بعدما تحولت إلى رمز لانكشاف منظومة الفوضى والفساد، وقد تمهد – إذا استمر الشارع في حراكه – لبداية نهاية هيمنة الإخوان على المدينة.
ويؤكد هؤلاء أن تعز، التي كانت تُعرف يومًا بالعاصمة الثقافية لليمن، تبدو اليوم مدينة مختنقة تحت سطوة السلاح والحزبية الضيقة، في مشهد لا يهدد أبناءها وحدهم، بل يرسم مستقبل اليمن بأسره على مفترق طرق: إما عودة الدولة وسيادة القانون، أو الانزلاق إلى فوضى بلا نهاية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news