كتب : ملهم محمود طالب العيفري
حين يُستعاد التاريخ في ضوء الواقع الراهن تتجلى الحقائق من تحت ركام الزيف ، الغرب لم يتبدل ولم يُجرِ أي مراجعة أخلاقية أو سياسية لمساراته الاستعمارية؛ هو ذاته كما عهدناه منذ زمن بعيد عقلية استعمارية لم تتغير ولا يُنتظر منهم خير لاسيما (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) فهذه القوى لا تجيد سوى احتضان الشر وتوفير الحماية للجلاد والتواطؤ ضد الضحية. الذهنية الإمبريالية التوسعية لا تزال متجذرة ..ولم تنسَ منطقتنا العربية تاريخ الاحتلال البريطاني والفرنسي، وكذلك الأمريكي ..كما لم تنسَ دول الجنوب العالمي وأفريقيا ما اقترفته تلك القوى من استغلال وهيمنة.
إن الترويج لاعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين هو محض تناقض،، فهاتان الدولتان هما من أسس الكيان الإسرائيلي وزرعاه كجسم غريب في قلب المنطقة.. فرنسا حين أُجبرت على مغادرة سوريا ولبنان في أربعينيات القرن الماضي سعت بكل الوسائل لفرض موطئ قدم في الشرق الأوسط، فشاركت في العدوان الثلاثي على مصر، وحين فشلت لجأت إلى دعم الكيان الصهيوني، واتفق الطرفان على أن يكون الكيان أداة استراتيجية بيد فرنسا، مقابل تمكينه من التقنية النووية.
بالفعل ؛ فرنسا شيدت مفاعل ديمونة وزودت الكيان بكل الخبرات والتقنيات النووية... وإن كانت بريطانيا هي من تسببت في النكبة عبر وعد بلفور، وأطلقت شرارة التشريد والدمار بحق شعب فلسطين، فإن فرنسا هي من وضعت السلاح النووي في يد الكيان ، ثم جاءت الولايات المتحدة فأكملت المشروع واحتضنت الكيان في كل المجالات ومنحته تفوقاً عسكرياً وسياسياً مطلقاً.
هكذا تكتمل أضلاع المثلث الغربي: بريطانيا المادة الخام.. فرنسا التصنيع والتغليف .. والولايات المتحدة التشغيل والتفعيل.. هذا الكيان الإرهابي صُنع بأدواتهم ويفترض به أن يكون ذراعهم في إحكام السيطرة على الشرق الأوسط. لذا ؛ لا يُرجى من هذه القوى الغربية الثلاث أي خطوة جادة لصالح فلسطين أو اعتراف حقيقي بحقوقها، فهي لن تُقدم على أي موقف يُزعج الكيان الصهيوني ولا تُؤتمن على قضايانا المصيرية.
لكن.. ثمة بارقة أمل ترتسم في الأفق. فالعالم لم يعد أحادي القطبية كما كان، والمشهد الدولي يشهد تحولاً نوعياً نحو التعددية حيث تتقدم قوى شرقية صاعدة كروسيا والصين حاملة مشروعاً عالمياً مختلفاً، يقوم على الندية لا الوصاية.. وعلى الشراكة لا الاستغلال وعلى احترام السيادة لا الهيمنة.
هذه الدول لم تعرف نهج الاحتلال في تاريخها الحديث لا في العالم العربي ولا في القارة الأفريقية ولا في أميركا اللاتينية..فالاتحاد السوفيتي رغم سطوته العسكرية لم يغزُ أرضاً عربية، والصين في صعودها السلمي لم تسلك المسار الاستعماري الغربي..لقد استبد القطب الغربي واستطغى فمارس القتل والدمار واستباح الشعوب وسرق مقدرات الأمم تحت شعارات زائفة من الحرية والديمقراطية.
لكنه لم يُدرك أن سُنن التاريخ لا تحابي أحداً وأن إرادة الله فوق جبروت القوة. فكل ما ارتكبه هذا النظام الدولي من جرائم وعدوان أدى إلى نفور الدول و الشعوب، وانكشاف الزيف وانهيار الهيبة. ومن بين هذا الركام وُلد نظام عالمي جديد تتشكل ملامحه بقيادة دول كروسيا والصين تُعيد الاعتبار للقانون الدولي وتكسر احتكار القرار وتعيد التوازن إلى الساحة الدولية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news