اغتيال افتهان المشهري العيب الأسود الذي فقأ عيني المدينة.. العيب الذي لا يُغسل
قبل 11 دقيقة
في مدينةٍ لطالما تغنّت بالثقافة، وادّعت ريادة الكلمة، وصدحت بأنشيد التمدّن واستعرضت تاريخها النضالي في وجه الجهل، سقطت قُدسية المعنى، وانكشفت حقيقة أنّ تحت رماد التّحضر جمرة قاتلة لا تعرف للعرف وزنًا، ولا للمرأة حرمة، ولا للشريعة مقامًا.
قُتلت فيها إفتهان المشهري، امرأةٌ آمنة، في جريمة نكراء هزّت الضمير وفضحت زيف الخطاب. لم تشغل منصبًا سياسيًا، ولا حملت راية حزب، ولم تكن طرفًا في صراع، بل كانت الوجه النقي للمدينة. في أكثر المؤسسات مشقّة كانت تنثر النقاء في شوارع مدينة تعز، ولا ذنب لها سوى أنّها تخلّت عن رفاهيتها وجاءت لتطهّر مدينتها من الأوساخ
.
إن اغتيال الأستاذة إفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، جريمة لا شرف فيها ولا رجولة. تعرّضت لتهديدات معلنة وقدّمت شكاوى رسمية، لكن تمّ دفنها في أدراج اللامبالاة، وكأنّ الجميع كان ينتظر لحظة الغدر. وكأنّ الدولة صارت تدير ظهرها حين يُهدَّد الأبرياء، وتغمض عينها حين يُسفك الدم الحرام!
ما يزيد على عشرين رصاصة قاتلة اخترقت جسدًا أعزل بإصرار صارخ لإزهاق الروح المحرّمة في وضح النهار ووسط الزحام غدرًا وهي آمنة!
أيُّ مدنية تُفاخرون بها وأنتم تعجزون عن صيانة الدم الحرام؟. أيُّ قانونٍ يسقط أمام بندقية الجبناء؟ وأيُّ عرفٍ ينكسر أمام سلطة القاتل؟
في العُرف القبلي اليمني:
يُعد قتل المرأة عيبًا أسود مُركّبًا، كونه قتل امرأة غدرًا مع سبق الاعتراض والاعتداء والتهديد والترصّد.
إن استهداف موظف حكومي في مكان عام وسط الزحام، في وضح النهار، بأكثر من 20 رصاصة، يترتب عليه القصاص العاجل أو النفي الكامل للجاني، ودفع الجُبر المغلّظ "محدَّعش"، وغرامات العيوب والعتوب، وهدم بيت القاتل، وعزله من مجالس الرجال، ووصم القاتل بالعار هو وأقاربه، وقد يمتد العيب لأحفاده. ويتوجب على قبيلة القاتل إعلان البراءة منه، وإلّا لحق بهم العيب الصامت لرضاهم بما حصل.
وفي الإسلام، يقول الله تعالى:
{ وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا }[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٩٣]،
وفاعلها ملعون في الدنيا والآخرة. قتل امرأة آمنة يعد انتهاكًا للعرض والكرامة والشرف، وخرقًا لأقدس القيم الإنسانية.. وفي كل الشرائع والديانات، قتل امرأة هو قتل للضمير، وانهيار لمفهوم الحماية والرجولة.
الأنكى من القتل أنّ الأمن يواجه الأمن، والجيش يواجه الجيش في مشهد عابث.
فما الفرق إذًا بين مليشيا تمارس القتل في صنعاء، وسلطة تعجز عن تحقيق العدالة في تعز؟
وما الفرق بين محتلّ يقصف غزة، وجبان قذر يطلق الرصاص على امرأة آمنة في شارع مزدحم؟
كلّهم قتلوا الحياة، واستهانوا بالحُرُمات، واعتدوا على أقدس ما في الإنسانية: حقّ الأمان.
هذه الواقعة اغتيالٌ للشرف والعِرض والمروءة والرجولة، وللثقافة والعدالة.هي فضيحة تتطلّب صحوة لا بيانات، وانتفاضة ضمير لا تعازي.
التاريخ لن يرحم الصامتين، والعار الذي سيلحق بهم أطول من أعمارهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news