مثّلت محافظة الضالع محورا أساسيا في استراتيجية جماعة الحوثيين، ذراع إيران في اليمن، للسيطرة الشاملة على أرجاء البلاد، ونقطة محورية تعزز من مرونة إمداد الجبهات البعيدة عن تمركز وثقل الجماعة.
ومنذ بدء الحرب أواخر العام 2014 وحتى منتصف العام 2019، كانت الضالع طريقا رئيسيا للإمداد العسكري للحوثيين من صنعاء باتجاه محافظات عدن وتعز ولحج وأبين، وشكّلت موقعا حيويا للجماعة يسمح بإمكانية استعادة السيطرة على هذه المحافظات (عدن– تعز– لحج– أبين) في حال حدوث أي مقاومة لاستعادتها وإبقاء التهديد ماثلا أمامها بشكل مستمر.
يستعرض هذا التقرير التحليلي المعتمد على وثائق ومعلومات خاصة ومواد المصادر المفتوحة وإفادات مراقبين مستقلين، استراتيجية الحوثيين في محافظة الضالع، وأبرز اتجاهاتها وتوجهاتها.. والهيكل العسكري والأمني والإداري للجماعة في المحافظة.
تشغل محافظة الضالع التي تبعد 250 كلم جنوب صنعاء حوالي 110 كلم شمال عدن، موقعا حيويا في الخارطة اليمنية، فهي بوابة رئيسية لمناطق الجنوب اليمني، ورابطا جغرافيا هاما بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ومنها يمر الخط الرابط بين العاصمة صنعاء ومدينة عدن التي تم اتخاذها من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد جراء الحرب واجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء ومحافظات أخرى.
مع سيطرة قوات المقاومة والقوات الحكومية على محافظات عدن وأبين ومعظم المساحات في محافظات لحج وتعز والضالع، وانتهاء بسيطرتها على معظم مديرية قعطبة بالضالع في مايو 2019، تغيّرت استراتيجية الحوثيين كليا تجاه محافظة الضالع، فبعد أن ظلّت الجماعة تنطلق منها كمحور استراتيجي للسيطرة جنوبا وباتجاه البحر الأحمر وباب المندب، ألجأتها تلك التحولات المستجدة لتغيير استراتيجيتها، إلى استراتيجية دفاع مستميتة للحفاظ على ما تبقى من مناطق سيطرتها في المحافظة تجنبا لخسارة محافظات أخرى مثل إب وتعز.
وقد ظلّت خارطة السيطرة في الضالع، غالبا، على ما كان عليه الوضع في العام 2019 غالبا، فمنذ توقف القوات "الجنوبية" عند الحدود الشطرية قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، 22 مايو 90م، تحافظ القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبنى دعوات انفصال جنوب اليمن عن شماله، وهو شريك في السلطة والحكومة اليمنية، بالسيطرة على مديريات جنوب المحافظة، وهي خمس مديريات: الأزارق، جحاف، الضالع، الحصين، الشعيب. هذه المديريات الخمس المحررة، كانت محسوبة ضمن الحدود الإدارية الجنوبية قبل الوحدة، حيث كانت تتبع لحج قبل إنشاء محافظة الضالع بموجب القرار الجمهوري بالقانون رقم (23) لسنة 98م بإجراء تعديلات في التقسيم الإداري الصادر في 28 يونيو 98م. ولا يبدو أن لدى المجلس الانتقالي -في الوقت الحالي على الأقل- رغبة في دفع قواته لتحرير بقية مديريات المحافظة، وتتركز أهدافه على تأمين منطقة لحدود جغرافيا ما قبل الوحدة.
فيما تتمركز قوات تابعة إسميا لوزارة الدفاع في معظم مساحات مديرية قعطبة. هذه القوات كانت منضوية تحت قيادة المنطقة العسكرية الرابعة المتمركزة في مدينة عدن، قبل أن تتحول إلى قيادة المنطقة العسكرية الثامنة المستحدثة بقرار رئاسي أصدره رئيس المجلس الرئاسي في مايو الماضي وحدد مقر قيادتها في قعطبة، يقودها اللواء ركن هادي أحمد مسعد العولقي.
في المقابل يسيطر الحوثيون على ثلاث مديريات شمالي المحافظة، كانت ضمن الحدود الإدارية الشمالية قبل عام 90، وهي: جبن، دمت، الحشاء، وعزلتان شمال قعطبة. واتخذوا دمت مركزا (عاصمة) للمحافظة.
هذه الخارطة تبرز بشكل واضح الأسباب التي ألجأت الحوثيين إلى تغيير استراتيجيتهم في المحافظة من اعتبارها محورا للهجوم والسيطرة إلى اعتبارها نقطة دفاع متقدمة ذات أهمية قصوى، وتقضي هذه الاستراتيجية بتركيز الحفاظ على المديريات الثلاث التي يسيطرون عليها.
تعد مديرية الحشا، وهي كانت سابقا تابعة لمحافظة تعز، نقطة محورية لتعزيز وإمداد جبهات لحج وتعز، وتهديدا مستمرا لجانب من مديريات الضالع الجنوبية، وبسيطرة القوات الحكومية عليها سيتم قطع إمداد الحوثيين لجبهات شمال لحج وشرق تعز، ويمكن للقوات الحكومية الانطلاق منها لإسناد جبهات هاتين المحافظتين.
كما تعد السيطرة الكاملة على مديريتي جبن ودمت تأمين متقدم لمحافظات إب والبيضاء الخاضعة للحوثيين وتدبير مهم لمنع تحرك عمليات عسكرية باتجاهها، إلى جانب أهمية السيطرة على المديريات الثلاث لاستخدام مساحاتها الهامة في نشر منصات صواريخ لضرب أهداف محتملة في محافظات الجنوب والوسط والغرب.
هذه العوامل، إضافة إلى العامل الأهم، غياب الحاضنة المجتمعية، وعوامل أخرى مثل الاستفادة من موارد تلك المديريات ومن قوتها البشرية، فرضت على الحوثيين تبني استراتيجية دفاع شرسة في هذه المناطق.
اتجاهات "القبضة المرنة"
يتمثّل الاتجاه الأول من استراتيجية القبضة الأمنية الشديدة في تعيين قيادات من خارج المحافظة مختارين بعناية وفقا للموثوقية أو بحسب قربهم من قيادات الحوثيين أو زعيمهم.
واتجه الخط الثاني من هذه الاستراتيجية في إيجاد أذرعة جهاز الأمن والمخابرات وجهاز الأمن الوقائي بثقلها الكامل وبدعم غير محدود يمكنها من تشكيل وتفعيل الخلايا. وشمل هذا الاتجاه أيضا تعيين قيادات أمنية ومدنية في المواقع القيادية الوسطى من خارج المحافظة ومن الموثوقين لدى قيادات الحوثيين العليا.
كما ركّز الاتجاه الثالث من استراتيجية القبضة، على مواجهة مشكلة غياب الحاضنة المجتمعية، من خلال تنشيط التعبئة العامة وتلقين الفكر واستقطاب فئة الأطفال تحديدا، حيث يتولى المشرف الأمني بنفسه مهام اللجنة العليا للتعبئة، وتم تكثيف انتشار المدارس الصيفية التي توفر تلقين الفكر الحوثي والتدريب العسكري للأطفال الصغار، مقابل الغياب والتغييب في خدمات التعليم العام، كما تتولى قيادات أجهزة الأمن والمخابرات والأمن الوقائي مسؤولية الإشراف على نشر الفكر الحوثي في المحافظة.
وفي الاتجاه الثالث أيضا، تم إقحام قيادات المحافظة المدنية الذين تم تعيينهم من أبنائها، في تولي الكثير من مسؤوليات التعبئة ونشر الفكر باستثمار شعبيتهم الجماهيرية والحزبية، وهو ما يؤكد على أن أسلوب المرونة في التعيينات القيادية التي اتبعتها الاستراتيجية، تظل مرونة مشروطة بإمكانية تحقيق أقصى الأهداف والمكاسب لصالح الجماعة بواسطة الشخص المراد تعيينه من أبناء المنطقة.
وفي الاتجاه الرابع، توجيه مجهود استخباري و"نشاط تخريبي" نحو المناطق المحررة، واستقطابات وشراء ولاءات وتنسيق عمليات التهريب عبر شبكة خلايا وعناصر ومخبرين يتم تجنيدها لصالح الجماعة.
الموارد ثانيا
إلى جانب ما تم إيراده من الأهمية الاستراتيجية العسكرية بالنسبة للحوثيين في المناطق المتبقية تحت سيطرتهم، والتي دفعتهم إلى اتخاذ استراتيجية الدفاع المستميت المعتمدة على أسلوب القبضة المرنة، تمتاز هذه المديريات عن غيرها باقتصاديات محلية صغيرة يمكن من خلالها تحقيق الكثير من الموارد المالية عن طريق الضرائب والواجبات الزكوية، وأيضا فرض رسوم جمركية على السلع القادمة من المحافظات الجنوبية، خصوصا بعد فتح طريق عدن-صنعاء قبل أسابيع، وقد استحدث الحوثيون مكتب جمركي في دمت، لفرض رسوم وجبايات على البضائع والمركبات.
ويمكن تحصيل الكثير من الموارد المالية عبر ضريبة إنتاج وتسويق القات في مديرية الحشا، وضرائب أنشطة السياحة المحلية في منطقة دمت، وكذلك الضرائب والجبايات المفروضة على تسويق المنتجات الزراعية في المديريات الثلاث.
الجهاز الإداري
اتّخذت الاستراتيجية الدفاعية للحوثيين في مناطق سيطرتهم بالضالع أسلوب "القبضة المرنة"، وتبدت مظاهرها في تعيين معظم قيادات الصف الأول للمحافظة من خارجها من الأشخاص الموثوقين والمقربين من قيادات الحوثيين وزعيمهم، مع السماح بتعيين عدد محدود من أبناء المحافظة في مواقع قيادية ميدانية وفقا لأغراض الاستفادة من نفوذهم وتأثيرهم كمشائخ قبائل ورموز حزبية.
تنحدر قيادات الصف الأول المعينين من خارج المحافظة إلى محافظة صعدة بالدرجة الأولى، يليها محافظة عمران وذمار وحجة، بينما ينتمي معظم العدد المحدود من القيادات المدنية والميدانية إلى مديريات المحافظة التي يسيطر عليها الحوثيون. وهم غالبا من الأسر الهاشمية.
وهذه قائمة بأبرز القيادات العليا في المحافظة.
عيّن الحوثيون عبداللطيف عبده أحمد دبوان الشغدري، قائما بأعمال المحافظ منذ ديسمبر 2021، برتبة لواء، خلفا للشيخ محمد صالح الحدي، المنحدر من مديرية دمت، بعد عام من تعيينه.
الشغدري ينتمي إلى عزلة عمارة بمديرية الحشا التابعة للضالع، وهو شيخ قبلي بالحشا، ويستفيد الحوثيون من نفوذه الذي ورثه عن والده قبليا. وهو خريج كلية الشرطة، وتقلد مناصب أمنية قبل الحرب، وشغل سابقا مدير أمن محافظة الضالع خلال سيطرة الحوثيين على المحافظة. أبقاه الحوثيون بدون قرار رسمي حتى اليوم، يلعب دورا شكليا على رأس المحافظة. القيادات التي استقدمت من صعدة وعمران هي من تدير المحافظة فعليا.
وعيّن الحوثيون صلاح أحمد صلاح حطبه، واسمه الجهادي (أبو أحمد) في منصب وكيل أول للمحافظة، وبرتبة لواء. وهو من منطقة ساقين محافظة صعدة، ومن أسرة هاشمية تربطها علاقة مصاهرة بزعيم الحوثيين، ولها نفوذ داخل الجماعة. أحد عناصر الجهاز الأمني والاستخباري للجماعة، وقد عيّنته الجماعة في هياكل وزارة الداخلية ومنحته رقما عسكريا ورتبة ضابط. وفقا لوثائق اطلعت عليها "ديفانس لاين".
وتولى لفترة المشرف الأمني العام في المحافظة. وهو مقرب للقيادي عبداللطيف حمود المهدي المكنى (أبو نصر الشعف) المعين قائدا للمنطقة الرابعة الحوثية برتبة لواء.
كما تم تعيين أحمد ثابت المراني، المنحدر من محافظة صعدة، منذ ما قبل العام الماضي خلفا لحطبه في مهام المشرف الأمني العام للمحافظة، ثم عينته الجماعة مسئولا للجنة العليا للتعبئة العامة، برتبة عميد، وتوكل له مهام التحشيد العسكري والطائفي، ويتوسع نفوذه من خلال تلك الأنشطة.
وكانت الجماعة قد عيّنته في هياكل وزارة الدفاع ومنحته رقم عسكري ورتبة ضابط. وفقا لوثائق ومعلومات.
ومن القيادات المحلية تم تعيين حسين محسن المدحجي، وكيل المحافظة بدرجة وزير ورتبة لواء، وهو من مواليد قرية الرخمة مخلاف عمار بمديرية دمت، وكان عضو مجلس النواب عام 93، عن حزب المؤتمر الشعبي العام.
ومثله صادق علي أحمد فارع الإدريسي، وهو من أبناء الحشا، وكيل المحافظة للشؤون المالية والإدارية، برتبة لواء. وقد تقلّد منصب وكيل مساعد للمحافظة منذ عام 2010. كما عيّنت ضيف الله محمد عبدالرحمن الضبياني، وهو من أبناء جبن، وكيلا للمحافظة، ومسؤول عن المراكز والمدارس الصيفية الحوثية التي توفر التلقين الحوثي والتدريب العسكري للأطفال الصغار.
وعيّنت الجماعة الشيخ عزيز محمد الحيدري، وكيل المحافظة، وهو شيخ قبلي بالضالع. كما عينت محمد محمود محمد سفيان، وكيلا مساعد للمحافظة برتبة العميد. وهو من قعطبة، وتقول مصادر إنه ينتمي لأسرة هاشمية. وأوكلت مسئولية هيئة الزكاة إلى أحمد سيف الضحياني، من صعدة، وهي غطاء لجباية الأموال والأنشطة الطائفية. وعينت عبدالله الوشلي، من ذمار، مديرا لمكتب الثقافة.
الهيكل الأمني:
في الجانب الأمني، عيّنت الحوثية حسين عبده الحمزي، يعتقد أنه من صعدة واسمه الجهادي (أبو صرخه، أبو علي) مدير أمن المحافظة، برتبة العميد. ويعاونه العقيد عبده أمير الدين الحوثي (أبو عبدالله) من صعدة، والعقيد عمار محسن الصولاني (أبو خالد) من عمران.
وإسماعيل محمد الوشلي، المنحدر من ذمار واسمه الجهادي (أبو حمزة الصعدي) مسئولا لفرع جهاز الأمن والمخابرات، برتبة عميد.
-معاذ علي مسعد المشرقي، من الحشاء الضالع، مدير جهاز الأمن الوقائي، الجهاز الأمني والاستخباري الخاص بالحوثية. وتتحدث مصادر أن فرع الجهاز يتولاه العقيد إبراهيم الوشلي، من ذمار.
-عبدالواسع أبو لحوم، برتبة عميد، مسئول الاستخبارات العسكرية.
-العقيد أحمد صالح الشعوبي، مدير البحث. والعقيد نجم الدين الغرباني، قائد قوات الأمن المركزي.
-العقيد محمد يحيى اللاحجي، من آنس ذمار، قائد شرطة النجدة وأمن الطرق. والعقيد هاشم الشريف مدير أمن دمت، والعقيد رزق عامر مدير أمن جبن. والعقيد بسام محسن عائض مدير أمن الحشا. والعقيد ميثاق صالح محمد الربيعي المكنى بأبو الجراح مدير أمن قعطبة.
الهيكل العسكري:
عسكريا، تخضع مديريات الضالع قيادة المنطقة الرابعة بقيادة (أبو نصر الشعف). وتم تقسيمها إلى جبهات. وتنتشر فيها عدة ألوية حوثية في مديريات الضالع الخاضعة للجماعة التي دفعت بقوات من مناطق سيطرتها، شمالا، وقادة ومقاتلين "عقائديين".
سابقا تم تشكيل محور الضالع كان يقوده هشام مسعد قائد الغرباني، من دمت الضالع برتبة لواء، وقد قتل عام 2021م. وتفيد معلومات بتعيين أكرم سفيان طه شليل المكنى (أبو تراب) برتبة عميد قائدا لجبهة الضالع. وهو يقود "اللواء 12 صمّاد" المتمركز في حمك قعطبة. وقد عينت الجماعة أبو العز المهدي (صعدة)، برتبة عميد قائدا للعمليات المشتركة في المحور.
وينتشر في قعطبة اللواء الأول صمّاد، يقوده العميد سليم عباس حمود هادي القحيف المكنى (أبو الحسن). وقد أنشأت الجماعة فيها مركزا تدريبيا ونشرت أسلحة وذخائر متطورة ومنصات إطلاق.
كما تنتشر في الضالع اللواء الثالث صماد يقوده أحمد المهاجر، ولواءين مدرعة، ولواء مغاوير يقوده فراق محسن العصّار (أبو صقر القفر).
فيما يقود العميد بكيل أحمد محمد اليتيم محور حجر بتّار، الذي يغطي مواقع ممتدة في شمال وغرب الضالع معظمها في مديرية الحشا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news