على وقع الاختراق الأمني وتنامي خلافات التيارات، يفقد عبد الملك الحوثي السيطرة، وتبقى الطائفية آخر أوراقه
تشهد مناطق عصابة الحوثي الايرانية تنامي كبير للخلافات بين تيارات العصابة على وقع توزيع المناصب والمكاسب، زادت حدتها مع التأكيد على وجود اختراق استخباراتي وأمني كبرين في صفوفها، حيث تشير أصابع الاتهام الى مكتب زعيم العصابة وقيادات بارزة في الصفوف الأولى بان لها صلة بذلك الاختراق الذي يخدم تيار على حساب آخر.
ومع اقتراب ذكرى الانقلاب الـ 11 في 21 سبتمبر 2014، يبدوا المشهد أكثر تعقيدا في أطار التكوين القيادي للعصابة الايرانية التي تنتهج الفكر الايراني، وتستخدم سلاحه في فرض سيطرتها على المناطق اليمنية المحتلة التي تتواجد فيها، حيث تأكد جليا فقدان زعيم العصابة القدرة والسيطرة على ادارة شؤون الحكم في تلك المناطق بعد رفض قراراته وتوجيهاته من قيادات ترى في نفسها البديل الامثل لقيادة تلك المناطق المتنازع عليها بين تيار صعدة بزعيم عبدالملك الحوثي، وتيار صنعاء وبقية المحافظات ذات القيادة المتعددة، استغلتها قيادات لتكون لها امبراطورية مالية وإدارية في اطار مؤسسات الدولة المحتلة.
وهم السيطرة
وفي هذا الاطار يؤكد القيادي "م ح م" الرازمي، لـ "المنتصف"، ان عبدالملك الحوثي فقد السيطرة الادارية على مناطق سيطرت عصابته، بعد ان رفضت قيادات بارزة في صفوف العصابة تنفيذ قرارات وتوجيهات اصدرها قبل عام في اطار ما يسمى "بالتغيير الجذري"، لتأتي الضربات الاسرائيلية الاخيرة، لتزيد من حدة الخلافات بين قيادات العصابة التي تتبادل الاتهامات بالتخادم والتجسس لصالح اسرائيل مقابل الخلاص من الخصوم في اطار العصابة.
ويتابع الرزامي "الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعي أمنية"، انه يشعر لأول بالصدمة لعدم قدرة عبدالملك الحوثي، فرض سيطرته على الحكم وإدارة المؤسسات الحكومة المحتلة، على راسها "الرئاسة" وهيئات فكرية وايرادية هامة على راسها "هيئة الأوقاف"، والاتصالات.
واكد الرزامي، رفض القيادي الحوثي احمد حامد، المقرب من مهدي المشاط، تنفيذ قرارات زعيم العصابة بازاحته من منصبه امين عام الرئاسة، بعد تقديم العديد من الشكاوى ضده من قيادات حوثية بارزة اهمها محمد علي الحوثي، الى جانب رفض عبدالمجيد الحوثي رئيس ما يسمى هيئة الاوقاف المستحدثة بدلا عن وزارة الاوقاف والارشاد، تنفيذ قرارات اعادة تنظيم الهيئة والتعيينات الجديدة التي اصدرها عبدالملك الحوثي.
صراع طائفي
واكدت مصادر مطلعة في صنعاء، وجود صراع طائفي في اطار مكونات العصابة الحوثية ذات الفكر الايراني، يتجسد بين تيار الاثنى عشرية المقيتة، والزيدية القريبة من السنة والتي يمثلها عدد من الاسر الزيدية في صنعاء ابرزها بيت العمراني والاكوع والماخذي وابو طالب وشرف الدين.
وفي اطار ذلك الصراع ظهر المدعو عبدالمجيد الحوثي، رئيس هيئة الاوقاف، ليجسد تيار الرفض والمعارضة لعبدالملك الحوثي رغم قرابة النسب بين الاثنين، الا ان المصالح والعلاقة مع النظام الايراني، اكبر من القرابة من وجهة نظر قيادات تلك العصابة المفككة بالمصالح والمكاسب.
وما بين التصعب المذهبي البغيض لعدد من القيادات الحوثية المرتبطة بالفكر الايراني، واخرى تدعي الوسطية في التطرف المذهبي المرتبطة بالعصابة، ظهرت خلافات عقائدية الى جانب الخلافات على المكاسب والمصالح والمناصب التي تعصف بمكونات الحوثيين منذ بداية الانقلاب وأودت بحياة العديد من القيادات في عمليات تصفية جسدية، واخرى يتم التخلص منها بالتخادم مع اسرائيل من خلال تزويدها بمعلومات واحداثيات عن تواجد تلك القيادات المراد الخلاص منها.
وتؤكد المعلومات، بأن عصابة الحوثي في بدايات عهدها تخلصت من القيادات ذات التوجه الوسطي القريب الى المنطق في طرحها، امثال محمد عبدالملك المتوكل وعبدالكريم الخيواني أو أحمد شرف الدين وحتى حسن زيد، والتي رأت فيهم قيادة العصابة ممثلة بعبد الملك الحوثي، انهم يمثلون خطرا على كيانها العقائدي والفكري والتوجه نحو تنفيذ المخطط الايراني، فكان الخلاص من تلك القيادات وزج اخرين من بيت المؤيدي والمؤيد في معتقلات سرية، ولم يجرؤ أحد من أهاليهم أن يتهم قاتلهم الواضح القابع في صعدة، ضمن صراع مراكز القوى الزيدية الهاشمية وصراع هاشمية صعدة مع هاشمية صنعاء كما يقال.
الصمت الاجباري
مع تكرار عمليات التصفية الجسدية والاعتقال السري، ووصل عمليات فقدان السيطرة وفرض القرارات والتوجيهات من قبل عبدالملك الحوثي في الاونة الاخيرة، سعى مكتبه الى انشاء اجهزة امنية تتبع مكتبه مباشرة للقيام بعمليات هيمنة في اطار العصابة نفسها، ومن اهم تلك الاجهزة ما يسمى "جهاز حماية الثورة"، وجهاز "أمن المعلومات"، وجهاز "الامنيات" الذي يشرف عليه مباشرة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني.
ورغم معرفة العديد من القيادات الحوثية البارزة أمثال مهدي المشاط وابو علي الحاكم، بأن مهمة تلك الاجهزة تنفيذ اجندة ايران تحت عباءة مكتب عبدالملك الحوثي، والمتهم اليوم بشكل كبير من قيادات حوثية بالتخادم مع الموساد الاسرائيلي، لتنظيف الاجواء امام استمرار العصابة في تأدية وظيفتها الايرانية.
وتحت مسمى "الحفاظ على وحدة الصف" فرضت حالة من الصمت الاجباري على قيادات عسكرية وامنية وسياسية وميدانية ومشرفين ومشايخ، وحتى على سكان مناطق سيطرة العصابة، بحجة ان أي خلافات او اتهامات يهدد وحدة الصف الزيدي ضد "العدو" ويقصد هنا بالعدو ليس اسرائيل كما يتصور البعض، وانما اليمنيين في بقية المحافظات المحررة.
وهذا ما تكرر الآن من صمت الحاضنة الأساسية للحوثيين ومخزنهم البشري الواسع من مناطق سيطرتها، مع متحوثين حتما من مناطق مختلفة، لكن القوة الأساسية التي يرتكز عليها الحوثي ما تزال هي القبائل، لذا الصمت والسكوت يجب ان يستمر ولو بالقوة المفرطة، وما تقوم به العصابة حاليا من عمليات قمع واختطافات واعتقالات واخفاء قسري لمن تشك فقط بمعارضته لها حتى بمنشور على مواقع التوصل الاجتماعي.
توظيف المذهب الطائفي
ومع فقدان عبدالملك الحوثي السيطرة بالسياسة الفاشلة التي انتهجتها خلال العقد الماضي، وحتى بفرض الفكر ومحاولات نشره عبر ما سمي "الدورات الثقافية" وسماع محاضرات عبدالملك الحوثي ومن قبله ملازم مؤسس العصابة حسين الحوثي، ومع تزايد تنامي الرفض الشعبي لها، لجأت العصابة مرة اخرى الى استخدام النهج والمذهب الطائفي لفرض السيطرة المفقودة منذ عامين.
ومن خلال العودة الطائفية التي بدأت تتجسد في التخلص من التيارات السياسية التي كانت تشركها العصابة في بعض امور الحكم حتى صوريا، كما هو الحال بالنسبة لحكومة الرهوي التي تم التخلص منها، وقمع الاحزاب السياسية كالمؤتمر الشعبي العام، والحزب الناصري وحزب البعض، وهي تيارات سياسية منفتحة وتنتهج الفكر والوسطية، تحاول عصابة الحوثي او تيار صعدة استبدال ذلك بتيار عقائدي بعيدا عن الزيدية الحقيقية.
وبمشاركة الموساد الاسرائيلي مباشرة، بدأت عصابة الحوثي بزعامة عبدالملك الحوثي في تنفيذ مخطط الاستعانة بالمذهب الطائفي لفرض وجودها والاستمرار في حكم مناطق سيطرتها، باعتبار العقيدة الطريق الاسهل والاقرب للتأثير على الراي العام للقبائل التي تحب الدين تحت أي مسمى، لكن هذه المرة الخطر يكمن بأن تيار صعدة يريد اللعب للتفريق بين الزيدية والشافعية، حيث كانت تلك المسميات قد ذابت في ظل حكم الرئيس الراحل الشهيد علي عبدالله صالح، حيث لم تعرف اجيال عدة تلك المسميات إلا مع تنامي صراع العصابة الحوثية الحالي الذي يبدو انه سوف يعصف بالبلاد كلها، ويتجاوز الحدود الى البلدان السنية القريبة من اليمن.
البقاء والسيطرة بخلق الفتن
وفي هذا الصدد تؤكد المعلومات، ان عصابة الحوثي تسعى من خلال عمليات التصفية الاخيرة التي تستخدم فيها سلاح العدو الاسرائيلي، واستبدال من يتم التخلص منهم، باشخاص ذو فكر طائفي ايراني، يخلق فتنة وصراع قائم على التفرقة بين ابناء الشعب مذهبيا، وهي الفتنة الاخطر على البلاد.
وحسب المعلومات فإن عبدالملك الحوثي لم يعد يهمه بعد فقدانه السيطرة على قيادات كبيرة وبارزة، خلق فتن جديدة من اجل بقائه، فالصراع قائم ولا يحتاج لصناعة فتنة جديدة، فالشعب بدأ يستنهض الفكر الموحد الذي يؤمن به، لكنه يحتاج الى تشخيص وقيادة كي يتخلص من كارثة اليمن المتمثلة بالعصابة الايرانية.
وباختصار لن نتخلص من الحوثي إذا لم تنتهِ عمليانه في تحشيد والتغرير بالشباب و مدّه بوقود الحرب وتعصبهم لرؤيته المذهبية.
لعبة النفوذ في اطار العصابة
وبالعودة الى فقدان السيطرة لسيد الكهف، نجد ان لعبة النفوذ في اطار العصابة تنامت مؤخرا، مع تنامي الخلاص من قيادات لا تخدم مشروع ايران، فقد تجسدت تلك اللعبة في قرارات التعيينات في مراكز التأثير الاعلامي والثقافي والطبي، وهي قرارات تحمل رسالة استعلاء سلطوي تهدف إلى تكريس قناعة خطيرة: أن مؤسسات الدولة وموظفيها ليسوا سوى أدوات بيد صاحب القرار، يرفع من يشاء ويقصي من يشاء، بلا مرجع سوى أهواء النفوذ والسلطة.
وحسب مصادر متعددة، فإن قرارات مايسمى المجلس الطبي ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون وهيئة الاوقاف، وقريبا في الحكومة ذاتها، تعد ظاهرة خطيرة تكشف عن هشاشة كيانات العصابة وخضوعها لمنطق الأشخاص بشكل واضح وعلني، بدلاً من القوانين واللوائح، وقدمت نموذجاً صارخاً لكيفية تحويل أجهزة الدولة التي تسيطر عليها بفعل الانقلاب إلى أدوات لتصفية الحسابات، وتكريس النفوذ، ومن أعلى هرم السلطة.
واكدت المصادر، بأن ما يجري من تعيينات واعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرة العصابة الايرانية، وانما يتم وفقا لمخطط ايراني لتدمير تلك المؤسسات وتحويلها الى قطاعات خاصة تخدم مشروعها المتجسد في عصابة الحوثي، تحمل الفكر الطائفي المقيت الذي يهدد النسيج الاجتماعي اليمني واعادته الى عهد الامامة البائدة، بطابع ايراني هذه المرة.
واكدت المصادر، بأن ما يسمى بعملية التغيير والبناء التي رفع شعارها عبدالملك الحوثي قبل ثلاثة اعوام، باتت مفرغة من مضمونها، وتحولت الى عمليات بناء طائفي يهدد الجمهورية والثورة والهوية اليمنية، مستخدمة ذات أساليبهم الإقصائية، بالاعتماد على صاحب النفوذ لا على اللوائح المنظمة لعمل الدولة ومؤسساتها.
اسناد الدولة للطائفية
ومن خلال المتابع لما يجري في مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منذ الخلاص من حكومة الرهوي بالتخادم مع اسرائيل، نجد ان الطائفية هي الطابع الذي فرض على جميع الوزارات التي تم التخلص من وزرائها وحتى في رئاسة الحكومة الغير متعرف بها دوليا، تم اسنادها الى شخص طائفي، أي ان شعار المرحلة المقبلة "الطائفية بدل الدولة"، وهو ما يسعى اليه عبدالملك الحوثي لاستعادة سيطرته وفرض وجوده كشخص يحمل الحق الالهي في الحكم.
,, اخيرا.. انتهت هيبة الدولة وتلاشت المؤسسات الوطنية في ظل حكم عصابة ايران، ولم يبق منها الا الاسم في بعض الكيانات، والمتوقع ان يتم تغييرها بما ستناسب مع الطائفية المقيتة، كما تم تغيير عدد اسماء الشوارع والمدارس والمساجد سابقا.
ومع استغلال الطائفية المذهبية والتخادم مع الموساد، وتخطيط ايران، يسعى زعيم العصابة الايرانية في اليمن عبدالملك الحوثي، للتحايل على الراي العام في مناطق سيطرت عصابته، من خلال استغلال نزيف الدماء اليمنية الزكية المراقة بسلاح الاعداء "ايران واسرائيل" للبقاء في المشهد اليمني، لتنفيذ اجندة ايران المرتكزة على اهداف الثورة الخمينية.
والسؤال المطروح حاليا، هل سيقبل اليمنيين بذلك؟ في ظل انكشاف حقيقة الحوثية التي تستجلب جميع الاخطار عليهم بعد ان اوصلتهم الى العوز والفقر والمرض خلال السنوات الماضية؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news