منذ أكثر من عامين، تقف الدول العربية والإسلامية في موقع المتفرج، مكتفية بالمطالبة المستمرة للمجتمع الدولي ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياته لوقف الإبادة الجماعية في غزة، وإيقاف المجاعة، ومنع إسرائيل من استخدام الجوع كأداة حرب ضد المدنيين. ورغم وضوح الكارثة وفداحة الجرائم، لم تتحرك هذه الدول بما يتناسب مع حجم مسؤوليتها التاريخية والسياسية والأخلاقية، مكتفية ببيانات الشجب والاستنكار، بينما تمتلك أوراق ضغط كثيرة ومؤثرة كان يفترض تفعيلها منذ اليوم الأول.
لقد كان من الواجب على هذه الدول أن تضع منذ البداية منظومة متكاملة من العقوبات والآليات للضغط على إسرائيل: ضغوط دبلوماسية بخفض أو قطع العلاقات مع الكيان، ضغوط اقتصادية بإيقاف الاتفاقيات وتجميد الاستثمارات والتبادل التجاري، ضغوط سياسية بتوحيد الموقف في المحافل الدولية، وضغوط قانونية عبر دعم القضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية. هذه الأدوات ليست غريبة أو مستحيلة؛ أوروبا نفسها لجأت إليها ضد روسيا في حربها مع أوكرانيا، كما استخدمت إدارة ترامب الرسوم الجمركية والضرائب للضغط على دول عديدة لتحقيق مصالحها.
تحركات عاجلة لمنع إجراءات التهجير وإجهاض قيام الدولة الفلسطينية
إسرائيل لم تكتفِ بالإبادة في غزة، بل أعلنت نواياها تهجير سكان القطاع قسراً، كما صرّح رئيس وزرائها نتنياهو مؤخراً. هذه الخطط تجد صداها في تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعلن رغبته في تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تحت السيطرة الأمريكية. هنا يصبح التحرك العربي والإسلامي واجباً عاجلاً، ليس فقط لحماية الفلسطينيين من التهجير، بل للحفاظ على جوهر القضية الفلسطينية: البقاء على الأرض.
في الوقت ذاته، تعمل الحكومة الإسرائيلية على إجهاض أي أمل بقيام دولة فلسطينية مستقلة، عبر مخططات ضم الضفة الغربية والمناطق الفلسطينية في القدس الشرقية، وسط دعم أمريكي علني. هذا التطور يشكّل انقلاباً على كل الاتفاقيات والمعاهدات التي وُقعت على مدى عقود، ويستهدف دفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائياً. لذا يجب أن يشمل التحرك العربي والإسلامي استراتيجية مواجهة سياسية ودبلوماسية عاجلة وواضحة، تقوم على رفض هذه المخططات وطرح مبادرات بديلة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.
ضرورة مواجهة سياسة الإدارة الأمريكية المعرقلة لقيام دولة فلسطينية وللشرعية الدولية وللعدالة
الأمر لا يتوقف عند دعم إسرائيل، بل يتعداه إلى معاقبة الفلسطينيين أنفسهم. فقد فرضت الإدارة الأمريكية مؤخراً عقوبات وإجراءات ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بسبب تحركهما الدبلوماسي لانتزاع اعترافات رسمية بدولة فلسطين من دول أوروبية وآسيوية، في خطوة تتوج بمؤتمر “الدولة الفلسطينية” المزمع عقده في نيويورك هذا الشهر، بتنسيق فرنسي – سعودي. هذه العقوبات تمثل تناقضاً فاضحاً مع التزامات أمريكا التاريخية في محادثات السلام التي أكدت مراراً على حل الدولتين.
ولم تكتفِ واشنطن بمعاقبة الفلسطينيين، بل مارست ضغوطاً على منظمات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية التي أدانت إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي واستخدام التجويع كسلاح حرب، حتى وصل الأمر إلى فرض عقوبات على هذه الهيئات لمجرد ممارسة دورها القانوني في توثيق الجرائم والسعي لمحاسبة المجرمين. هذا السلوك الأمريكي يتطلب موقفاً عربياً – إسلامياً موحداً يرفض الانتهاكات للشرعية الدولية، ويدافع عن استقلالية المؤسسات القانونية العالمية.
العالم لا يحترم من يكتفي بالتصريحات، بل من يترجمها إلى أفعال. وإذا لم تتحرك الدول العربية والإسلامية سريعاً لإطلاق استراتيجية متكاملة تشمل العقوبات والضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية، فإنها ستكون شريكة بصمتها في الإبادة والتهجير وإفشال مشروع الدولة الفلسطينية.
المسؤولية اليوم ليست على عاتق المجتمع الدولي وحده، بل تقع أولاً على الدول التي طالما أعلنت أن فلسطين قضيتها المركزية. لقد آن الأوان لتحويل البيانات إلى خطوات عملية، وأن يتحرك العرب والمسلمون ككتلة واحدة للدفاع عن فلسطين، أرضاً وشعباً وهوية. فالوقت يضيق، والسكوت لم يعد خياراً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news