المرضى اليمنيون في مصر .. معاناة تتجاهلها السفارة ومسؤولية إنسانية غائبة

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 64 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المرضى اليمنيون في مصر .. معاناة تتجاهلها السفارة ومسؤولية إنسانية غائبة

المرضى اليمنيون في مصر .. معاناة تتجاهلها السفارة ومسؤولية إنسانية غائبة

قبل 12 دقيقة

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014 وتفكك مؤسسات الدولة، تدفقت أعداد كبيرة من اليمنيين إلى مصر باعتبارها الملاذ الأقرب والأكثر استيعابًا للجاليات العربية، وكان من بين هؤلاء آلاف المرضى الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن العلاج في بيئة صحية مرتفعة التكاليف، ومعقدة الإجراءات، وغياب شبه كامل للدعم الرسمي من الحكومة اليمنية أو سفارتها في القاهرة. هذه المأساة لم تعد ظرفًا استثنائيًا، بل تحولت إلى أزمة إنسانية مستمرة منذ أكثر من عقد، يعاني فيها المرضى وأسرهم من استنزاف مادي ومعنوي لا يُطاق

.

تشكل الأمراض المزمنة والخطيرة مثل السرطان، الفشل الكلوي، أمراض القلب والجهاز العصبي العمود الفقري لهذه الأزمة، حيث يعتمد اليمنيون في مصر على القطاع الصحي الخاص بشكل شبه كامل. وتصل تكلفة العلاج لبعض الحالات إلى عشرات الآلاف من الدولارات سنويًا، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الأسر اليمنية التي فقدت مصادر دخلها بسبب الحرب والنزوح. ويكفي أن ندرك أن جلسات الغسيل الكلوي وحدها قد تكلف مئات الدولارات شهريًا، بينما أدوية السرطان والعلاجات الإشعاعية والكيماوية تقدر بعشرات الآلاف (تقارير منظمة الصحة العالمية، 2023). هذه الأرقام تعني أن كثيرًا من المرضى يضطرون لوقف العلاج في منتصف الطريق، أو البحث عن تبرعات فردية، أو الاستدانة بما لا يستطيعون سداده، فيتحول المرض إلى حكم بالإعدام البطيء.

في قلب هذه المعاناة، يُفترض أن تلعب السفارة اليمنية في القاهرة دورًا محوريًا في حماية رعاياها، لكن الواقع يكشف عن غياب شبه كامل لبرامج منهجية أو خطط واضحة. يقتصر تدخل السفارة غالبًا على إحالات محدودة لحالات استثنائية، دون دعم أو وجود أي شكل مؤسسي يضمن توفر أدنى مساعدة مالية أو طبية، مع غياب كلي للعدالة والشفافية في تقديم الدعم. كثير من المرضى وذويهم يشكون من تعقيدات إدارية ووساطات شخصية تطغى على آليات التسهيل والإرشاد، وتسهيلات الإقامة بعد رفع كلفة الإقامة لليمنيين في مصر، ما يحوّل السفر إلى مصر للعلاج من حق مشروع إلى نكبة مستمرة، مشروطة بتوفر دعم مالي من خارج مصر، ويكتنفها تعقيدات التحويل المالي واستلام الحوالات، ومخاطر السجن بسبب حيازة العملة وإجراءات الإقامة.

هذا التقصير لا يمكن اعتباره مجرد عجز مالي فقط، بل يعكس خللاً إداريًا وفسادًا سياسيًا مرتبطًا بانقسام السلطة الشرعية نفسها وصراعاتها الداخلية، والتي انعكست بشكل مباشر على أداء بعثاتها الدبلوماسية في الخارج.

وعند مقارنة التجربة اليمنية بتجارب أخرى، تتضح الصورة أكثر. فالسفارة السودانية في القاهرة، رغم ظروف السودان المنهك بالحرب أيضًا، بادرت إلى إنشاء صندوق دعم صحي يغطي تكاليف علاج الفئات الأشد ضعفًا، وتعاونت مع جمعيات خيرية سودانية ومصرية لتوفير أدوية مخفضة للمرضى. السفارة الليبية، التي تمثل دولة تعاني من انقسام سياسي مشابه لليمن، وقعت بروتوكولات رسمية مع مستشفيات كبرى لتخفيض أسعار العلاج، ونجحت في إدراج مئات الحالات ضمن برامج علاجية منظمة. حتى السفارة الفلسطينية، رغم محدودية مواردها، وفرت عبر التنسيق مع منظمات دولية مثل الأونروا والهلال الأحمر آلية لتخفيف الأعباء عن المرضى. هذه النماذج تؤكد أن الحلول ليست مستحيلة، بل إن غيابها في الحالة اليمنية يعكس إرادة سياسية مشلولة أكثر من كونه قصورًا في الإمكانات.

الإعلام اليمني لعب دورًا بارزًا في تسليط الضوء على هذه الأزمة، حيث تناولت قنوات مثل بلقيس والمهرية في تقاريرها الاستقصائية قصصًا مأساوية لمرضى عالقين بين مطرقة المرض وسندان الغربة. هذه القنوات قدمت نماذج مؤثرة لحالات أطفال يعانون من السرطان، وكبار سن يفقدون حياتهم بسبب عدم القدرة على شراء الأدوية، لكنها لم تجد استجابة تليق بحجم الفضيحة الإنسانية من قبل السلطات الرسمية. وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام اليمنية الأخرى مثل المهرية، واليمن اليوم، وبلقيس وفيرها، أشارت في تقاريرها الإنسانية وبرامجها إلى معاناة الجالية اليمنية والقادمين للعلاج، إلا أن الهمّ اليمني بقي في الهامش نظرًا لغياب ضغط سياسي منظم من قبل الحكومة الشرعية.

المشكلة في جوهرها ليست فقط أزمة صحية، بل أزمة سياسية وإدارية متجذرة، تعكس عجز الدولة اليمنية عن القيام بأبسط مسؤولياتها تجاه مواطنيها. غياب قاعدة بيانات دقيقة لعدد المرضى وحالاتهم، عدم وجود بروتوكولات تعاون مع المستشفيات المصرية، وغياب صندوق دعم طبي مستقل، كلها مؤشرات على أن المأساة ليست عرضًا عابرًا بل انعكاسًا لانهيار المنظومة الرسمية.

الحلول، رغم تعقيد الأزمة، ليست مستحيلة. المطلوب أولًا إنشاء قاعدة بيانات مركزية تشمل الحالات الأكثر إلحاحًا، ومتابعة الحالات، ومنع سماسرة العلاج من اليمنيين والمصريين من الاستغلال، ومعرفة الوضع الحالي في مصر وكلفة العلاج وما هي المستشفيات المصرية المناسبة لهم، حتى يمكن من خلالها توجيه الموارد بشكل عادل وشفاف. ثانيًا، توقيع بروتوكولات تعاون عاجلة وتنفيذها مع عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة في مصر لتخفيض أسعار العلاج وضمان الجودة والشفافية واستمراريته. ثالثًا، تفعيل صندوق دعم طبي يمول من موازنة الدولة اليمنية ويُرفد بتبرعات رجال الأعمال والمغتربين، على أن يخضع لإشراف لجنة مستقلة تضمن الشفافية. رابعًا، رغم وجود ملحقية طبية، إلا أنها للأسف لا تقوم بدور فاعل أو مهني كممثل صحي متخصص ضمن الطاقم الدبلوماسي في السفارة لمتابعة الحالات بشكل مباشر وفعلي، مع غياب التنسيق مع المستشفيات المصرية والمنظمات الصحية مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر المصري لتغطية جوانب العجز، ومتابعة حالات الفساد، وعدم الشفافية والجودة في بعض مستشفيات القطاع الخاص في مصر.

إن استمرار تجاهل هذه الأزمة يمثل وصمة عار على جبين الحكومة الشرعية وسفارتها في القاهرة، ومسؤولية تاريخية وأخلاقية لا يمكن التهرب منها. فاليمنيون الذين وجدوا في مصر ملاذًا بعد أن فقدوا وطنهم لا ينبغي أن يُترَكوا فريسة للمرض والفقر معًا. وإذا كانت الحرب قد سلبت منهم أرضهم، فإن التقصير الرسمي لا يجب أن يسلبهم حقهم في الحياة والعلاج الكريم.

* أكاديمي ومحلل سياسي يمني


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

البيضاء تطلب رسميا من عيدروس الزبيدي اعادتها الى الجنوب

كريتر سكاي | 662 قراءة 

الفتاة التي أجبرت خالها على قتل شاب في عدن تخرج عن صمتها وتفجر مفاجأة بشأن الحادثة (فيديو)

المشهد اليمني | 497 قراءة 

تراجع طفيف في أسعار الصرف بعدن صباح اليوم الأربعاء

العين الثالثة | 412 قراءة 

علم الجنوب فوق قلعة القاهرة؟ الرواية الرسمية تكشف التفاصيل

المرصد برس | 378 قراءة 

صدور أحكام قضائية وأسماء المتهمين في قضية اغتيال الوزير الحوثي ”حسن زيد ”

المشهد اليمني | 371 قراءة 

شاب ينصب على والده ب٩ مليون ريال سعودي في حضرموت

كريتر سكاي | 334 قراءة 

تحية عسكرية لعلم الانفصال ..وزير الدفاع وتطبيع الانفصال داخل التشكيلات العسكرية

يني يمن | 333 قراءة 

شهادة مرعبة لحريمة كريتر.. الفتاة التي كانت مع القاتل ريدان تكشف التفاصيل

موقع الأول | 309 قراءة 

الخطوط الجوية اليمنية تعلن خبراً ساراً طال انتظاره للمسافرين

نيوز لاين | 295 قراءة 

مأرب.. قبائل مراد ترحب بـ "رؤية الزبيدي" وتدعو لتوحيد الصف مع الجنوب

صحيفة شمسان نت | 286 قراءة