موقف الأمم المتحدة المتخاذل تجاه ما يحدث لموظفيها في صنعاء (برّان برس)
برّان برس - وحدة التقارير:
على مدى عقود، حظيت المنظمات الأممية والوكالات الدولية في اليمن بترحيب وتقدير شعبي ورسمي، إلا أن هذا المشهد انقلب رأسًا على عقب منذ انقلاب جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، وسيطرتها على العاصمة صنعاء في أواخر العام 2014.
وبينما ينظر اليمنيون اليوم إلى تلك المنظمات كطوق نجاة من الأزمة الإنسانية المتفاقمة، تعتبرها جماعة الحوثي عدوًا لدودًا وغنيمة دسمة في الوقت ذاته. وفي حين تتلقف الجماعة المساعدات التي تقدمها هذه المنظمات وتستغلها لتمويل مجهودها الحربي، تشن ضدّها حملة ممنهجة من المضايقات والقيود والاتهامات المتصاعدة.
ولم تتوقف الانتهاكات هنا، بل امتدت لتطال موظفي المنظمات أنفسهم، الذين أصبحوا هدفًا مباشرًا لحملات الاختطاف والتعذيب والترهيب. كما شملت اقتحام المقرات ونهب ممتلكاتها وتقييد حركتها وقدرتها على المساعدة. فضلًا عن حملات التحريض والتخوين المستمرة التي جعلت عمل هذه المنظمات وموظفيها في موضع شك دائم.
هذا السلوك ليس مفاجئًا من جماعة استباحت مؤسسات الدولة وتسببت بأكبر أزمة إنسانية في تاريخ البلاد، لكن الغريب هو موقف الأمم المتحدة ومنظماتها الذي ظل دون مستوى الخطر الذي بات يهدد وجودها وحياة موظفيها.
وقبل نحو أسبوع، داهم مسلحو الجماعة الحوثية المدعومة إيرانيًا، مكاتب ومقرات لمنظمات أممية في صنعاء والحديدة، واختطفوا نحو 20 موظفًا أمميًا ليضافوا إلى جانب عشرات العاملين في المجال الإنساني الذين اُختطفوا منذ العام الماضي.
في هذا التقرير، يناقش “بران برس” مع حقوقيين ودبلوماسيين وموظفين أممين سابقين، موقف الأمم المتحدة إزاء موظفيها المختطفين والذي وصفوه بـ"المتخاذل"، ويحلل أسباب هذا الموقف وتأثيره على المختطفين وعائلاتهم وعلى بيئة العمل الإنساني في اليمن.
سياسة استرضاء
في تقييمه لموقف المنظمات الدولية، قال نائب المندوب الدائم للجمهورية اليمنية لدى الأمم المتحدة سابقاً، مروان علي نعمان، إن “سياسة الاسترضاء، التي اتّبعتها الأمم المتحدة، والموقف “المتخاذل أو على الأقل الضعيف” الذي اتخذته منذ بداية حملة الاعتقالات التي طالت موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في اليمن منذ مايو ٢٠٢٤، “شجع الجماعة الحوثية على استمرار الاعتقالات التعسفية في كل مرة”.
وأوضح السفير نعمان، لـ“بران برس”، أن الجماعة الحوثية تستخدم هذه الاعتقالات “كأدوات ابتزاز وضغط على المنظمة الأممية والمنظمات الدولية الأخرى لتلبية بعض مطالبها”، كما تحاول من خلالها “حرف الانتباه عن الاختراقات الأمنية والاستخبارية داخلها ورمي التهمة على موظفي الأمم المتحدة”.
وأكّد "نعمان"، أن “المتضرر الأول والأخير من هكذا ممارسات هو الشعب اليمني في كافة المناطق”، محذّرًا من أن “استمرار هذه الأساليب التخريبية ستضر بملايين المستفيدين وذوي الاحتياجات في اليمن في كافة مناطقه”.
سياسة تغاضي
من جابه، قال الباحث والموظف الأممي السابق، صادق الوصابي، لـ“برّان برس” إن المنظمات الأممية اختارت، خلال العشر سنوات الماضية، “سياسة التغاضي عن القيود والانتهاكات الحوثية، بذريعة تسهيل استمرار العمل الإنساني، لكن الواقع أثبت أن هذا النهج لم يحفظ سلامة العاملين، أو يضمن وصول المساعدات بفاعلية، بل شجّع الحوثيين على المزيد من التضييق والاعتداءات”.
ووصف "الوصابي"، ما يتعرض له العاملون الإنسانيون من اختطافات وترهيب بأنه “أمر خطير وغير مسبوق”، مؤكدًا أن حرمة المنظمات الدولية وحصانتها كانت تحترم حتى في دول تشهد سيطرة جماعات مسلّحة أخرى.
موقف ضعيف
بدورها، وصفت ممثلة المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، هيفاء شوكت، ما يتعرض له موظفو المنظمات الدولية من اختطاف واعتقال بأنه “أمر مؤسف وانتهاك صارخً لحقوق الإنسان يتجاوز تهديد سلامتهم إلى الإضرار بعائلاتهم وتقويض بيئة العمل الإنساني برمتها“.
وأضافت الحقوقية "شوكت" في حديث لـ“برّان برس”، أن “معالجة المنظمات الأممية للموقف ضعيفة جداً، وتقتصر على بيانات الإدانة والقلق ولا ترتقي لحجم الكارثة الحقوقية التي يتعرض لها الموظفون، الذين من المفترض أن يكونوا تحت حمايتهم”.
وترى "شوكت" أن “الانتهاكات الجديدة سببها عدم وجود حماية حقيقة للموظفين، بالإضافة إلى ضعف الموقف الدولي تجاه قضايا المختطفين السابقين”. موضحة أن هذا الموقف له “أبعاد سياسية بحته، حيث تسعى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى فرض اتفاق سلام وتتغاضى عن الكثير من الانتهاكات التي تؤثر سلبًا على بيئة العمل الإنساني وتقوض الاستجابة الفعالة للأزمة”.
خطوط حمراء لا مناشدات
ولإنهاء معاناة الموظفين الأممية وحماية بيئة العمل الإنساني، طالب "الوصابي"، بـ“موقف أممي واضح وحازم يضع خطوطًا حمراء لحماية الموظفين ويضمن استقلال العمل الإنساني، بدلاً من الاكتفاء ببيانات فاترة أو مناشدات لا تغيّر شيئًا”.
وشدد الموظف الأممي السابق، على أن “حماية العاملين وضمان نزاهة الاستجابة يجب أن تكون أولوية مطلقة”، محذّرًا من أن “الاستمرار في النهج الحالي لا يخدم المحتاجين بل يمكّن الحوثيين من استغلال موارد بملايين الدولارات”.
دعوة لموقف أقوى
السفير نعمان، شدد على ضرورة “ممارسة ضغوط أممية ودولية أقوى على هذه الميليشيا للإفراج عن هؤلاء المعتقلين ولتحييد العمل الانساني عن الاستخدام السياسي الرخيص من قبل الحوثيين”، مؤكدًا أهمّية هذا الموقف “حتى لا تتأثر العمليات الإنسانية في اليمن بشكل سلبي لا سيما في ظل استمرار تناقص التمويل الدولي للعمليات الإنسانية”.
وأضاف في حديثه لـ"برّان برس": “حان الوقت لنقل كافة المراكز الرئيسة لهذه المنظمات والوكالات إلى مناطق الحكومة الشرعية لتتمكن من العمل بحرية وحيادية بعيداً عن الضغوط والممارسات التعسفية المستمرة من قبل الميليشيا”.
تحمل المسؤولية
من جانبها، شددت الحقوقية هيفاء شوكت، هي الأخرى على ضرورة أن تتخذ المنظمات الأممية “موقف حازم لإطلاق موظفيها المختطفين وتوفير الحماية الكاملة لهم”، مطالبة أيضًا بـ“اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المقرات والمكاتب الدولية ومنع اعتقال الموظفين في كل مرة بدون سبب”.
وأكدت، في ختام حديثها، على أن المنظمات الأممية “ملزمه بتوفير الحماية للموظفين في أي مكان يتواجد فيه مكتبها وهي من تتحمل المسؤولية الكاملة عن سلامتهم وأمنهم“. مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته الكاملة في هذا الصدد.
الأمم المتحدة
اعتقالات الحوثيين
المنظمات والوكالات الأممية
انتهاكات الحوثيين
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news