بعينين تُخفيان الكثير من الوجع وتصاحبهما ابتسامة بريئة، يعود الطفلان "أسامة" وشقيقته "وئام" من ذوي الإعاقة إلى مدرستهما مع بداية عامهم الدراسي الجديد 2025 – 2026، واللذيَن يعانيان ضمورا محدودا في الدماغ، بسبب الحرب التي تشهدها اليمن.
الطفلان المعاقان "أسامة ووئام" نجلا الصحافي اليمني عبدالستار بجاش، من ضحايا حرب جماعة الحوثي وحصارها على مدينة تعز منذ عشر سنوات.
في منشور له على صفحته بفيسبوك، سلط الصحافي عبدالستار بجاش الضوء على معاناة المعاقين في اليمن، في ظل الحرب التي تشهدها البلاد منذ عقد من الزمان، والتي فاقمت من معاناتهم، بل وكانت السبب الرئيس في إصابتهم.
فالصحافي بجاش، أحد ضحايا تلك الحرب والتي تسببت بإعاقة دائمة لطلفيه، نتيجة إصابتهما بضمور محدود في الدماغ، في محافظة تعز التي تفرض جماعة الحوثي عليها حصارا مطبقا منذ اندلاع الحرب مطلع عام 2015، دفعت فيها المدينة فاتورة كبيرة جراء تلك الحرب.
مع بداية العام الدراسي الجديد وبمناسبة عودتهما للمدرسة، ذكّرنا بجاش بإصابة طلفيه بضمور محدود في الدماغ وهو ما كانت الحرب الحوثية على تعز وحصارها أحد أسبابه.
وقال بجاش "رغم بساطتهما وضعف قدراتهما نتيجة إصابتهما بضمور محدود في الدماغ، وهو ما كانت الحرب الحوثية على تعز أحد أسبابه، يفيض قلبا أسامة ووئام حبًا وبراءة. يعودان إلى مدرستهما "الأمل للمعاقين ذهنيًا" بلهفة وابتسامات صافية، كأنها لغة أصدق من الكلام."
حرب الحوثي
ويشرح الصحافي بجاش كيف بدأت معاناتهما، ويقول إن "أسامة بدأت معاناته نهاية العام 2014 حين أقعده المرض، ثم وئام عام 2015 بالحمى الشوكية ليلة قصف حوثية عنيفة على تعز، ففقدت الحركة والنطق، واستعادت جزءًا من عافيتها بصعوبة".
فحال أسامة وشقيقته وئام، هو مثال لآلاف الأطفال الذين سلبتهم الحرب طفولتهم وصحتهم العقلية، ومنعتهم من ممارسة أبسط حقوقهم. ويواجه مرضى الضمور الدماغي في اليمن تحديات يومية، إذ يعيشون حياة صعبة، تختلف عن سواهم من الأطفال، بسبب وطأة مرضٍ قبض على أجسادهم الصغيرة، إذ يصارعون الضمور الدماغي بصمت ومن دون تذمر.
وسط هذا الألم، يضيف بجاش "حملت أمهما العصامية على عاتقها مهمة علاجهما بالعلاج الطبيعي، تعلّمت، ورعت، وثابرت حتى أعادت إليهما الحياة والابتسامة وتمكنا من الحركة".
يتابع "رغم كل ما واجهتاه من تحديات ومعوقات في تعز بداية الحرب، وسط حصار خانق فرضه الحوثيون، ورحيل الطواقم الطبية، وانعدام المختصين وأجهزة التشخيص، وحتى فقدان الأدوية اللازمة لمثل هذه الحالات، لم تستسلم لليأس".
وأردف "لكن تلك الظروف القاسية خلال الحرب تركت جرحًا عميقًا في قلوبنا، كما ضاعفت معاناتهما وتسببت في تدهور حالتهما الصحية، بينما بقي الأمل هو القوة التي تتشبثان بها للنجاة".
وبقلب مكلوم يكابد وطأة معاناة فلذات كبده، أعرب بجاش عن أمله بأن تحظَ تعز بمراكز متخصصة ومدارس ومعلمين وأدوات تدريبية كما في بقية المحافظات".
واستدرك بالقول "لكن للأسف تفتقر تعز لذلك، فالمركز العلاجي مغلق منذ عشر سنوات، والمدرسة الوحيدة ملحق متواضع يفتقر للإمكانيات والكادر التربوي غير مؤهل للتعامل مع المعاقين".
وقال "رسالتي للمجتمع: أن ينظر لذوي الإعاقة برحمة ووعي، لا كوصمة عار أو عبء، فوصمهم يعزلهم وأسرهم ويضاعف الألم"، حد قوله.
وزاد "لكن تجربتي مع أسامة ووئام علمتني أن الحقيقة مختلفة تمامًا، برغم معاناتهما يملآن حياتي حبا وحنانا يواسيانني في مرضي ويحتضنانني عند عودتي من العمل، عندها أدرك أن ما نقص من عقليهما عوّضه الله في صفاء القلب ونقاء الروح".
واستطرد "صحيح أن قلبي يعتصر حين ينكسران أمام قسوة أو إهمال، فهما كالأطفال سريعو الألم والصفح، لكنني أرى فيهما نعمة عظيمة من الله".
وختم الصحافي عبدالستار بجاش منشوره بالقول "وجودهما يعلمني الرضا ويمنحني طعم السعادة الخالصة، ولو أدرك المجتمع ذلك لتغيرت نظرته إلى هذه الفئة، ولعرف أن ذوي الإعاقة ليسوا نقمة بل بركة، بهم نتعلم الإنسانية الحقة".
معاناة مستمرة
ويعاني غالبية المعوقين صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية بسبب نقص التجهيزات والمرافق التي تناسبهم، كما يعانون التمييز والوصم، ما يؤثر على فرصهم في العمل والزواج والمشاركة الاجتماعية.
ويشكل الأفراد ذوو الإعاقة في اليمن شريحة سكانية متنامية بسبب الصراعات، حيث تشير التقديرات إلى وجود ملايين منهم، بما في ذلك ضحايا الألغام، ويعانون من نقص الخدمات وعدم التمكين، خصوصاً في المناطق الريفية.
تواجه هذه الفئة تحديات كبيرة في الحصول على حقوقهم الأساسية، مما يستدعي الحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام لتوفير بيئات شاملة تتيح لهم المشاركة الفاعلة في المجتمع.
ويعتبر الشلل الدماغي من أكثر أمراض الضمور انتشاراً في اليمن لأسباب عدة؛ أهمها الحرب وانتشار الأوبئة كالحميات وتقصير الجهات المعنية بالصحة، وعدم السير وفق خطة تساهم في تطوير الخارطة الطبية لرعاية مرضى الضمور، فآخر إحصاء قامت به وزارة الصحة بشأن مرضى الشلل الدماغي يعود إلى عام 2007، وقد بلغ عددهم آنذاك مليون طفل مصاب.
وشهد اليمن في السنوات العشر الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد الأطفال المصابين بهذا المرض، بشتى أنواعه وبنسبة تجاوزت 40 في المئة، بحسب تقديرات طبية، فوزارة الصحة لم تعلن عن إحصاءات حقيقية بخصوص الأطفال المصابين بضمور دماغي في اليمن منذ عام 2007.
تقارير دولية
ومطلع العام الجاري، كشف تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن قرابة خمسة ملايين شخص في اليمن، أو ما نسبته 15% من السكان، لديهم شكل من أشكال الإعاقة بسبب الصراع المستمر في البلاد.
وأكد التقرير أن التقديرات تشير إلى أنه من المرجح أن يكون الرقم الفعلي أعلى بكثير من الموثق، وذلك بسبب تداعيات الصراع، مثل انتشار الألغام الأرضية والمخلفات الحربية، وانتشار الأوبئة كالحميات وغيرها.
ويشير التقرير الأممي إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون عوائق كبيرة تمنع إدماجهم، وتتفاقم هذه العوائق بسبب انهيار الدعم المجتمعي، والصعوبات الاقتصادية، ونقص الخدمات، وانتشار الوصم والعزلة الاجتماعية.
وصادقت اليمن في عام 2008 على الاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما صدر في 1999 قانون بشأن رعاية المعوقين وتأهيلهم، وينص على أن يتمتع الأشخاص المعوقون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها غيرهم، مع منحهم بعض الامتيازات في عدد من المجالات، بما فيها أحقية الوظيفة العامة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news