مشاهدات
تشهد المنطقة واحدة من أخطر مراحل التصعيد بين إسرائيل وجماعة الحوثي في اليمن، بعد سلسلة من الضربات المتبادلة التي وضعت البحر الأحمر وصادرات الطاقة الإقليمية في قلب التوترات.
وبحسب تحليل نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للباحثة أبريل لونجلي ألي – الزميلة البارزة في المعهد والمستشارة السياسية السابقة للمبعوث الأممي إلى اليمن – فإن كلا الطرفين، رغم تهديداتهما العلنية، يواجهان قيودًا عملية وعسكرية قد تعيق تحقيق أهدافهما، فيما تظل النتيجة المباشرة لهذا التصعيد زيادة المخاطر على المدنيين والأمن البحري والاستقرار الإقليمي.
غارة صنعاء.. رسالة إسرائيلية حادة
في 28 أغسطس/آب، أسفرت غارة جوية إسرائيلية في صنعاء عن مقتل ما لا يقل عن اثني عشر عضوًا من الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون، بمن فيهم رئيس الوزراء، وإصابة آخرين بجروح خطيرة. ورغم أن مدى انتماء هؤلاء الوزراء إلى الجماعة يبقى معقدًا، إلا أن الغارة جاءت كرسالة مباشرة.
في المقابل، عيّن الحوثيون قائمًا بأعمال رئيس الوزراء، ونظموا جنازة حاشدة للمسؤولين القتلى، وواصلوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل، دون أن تُحدث أي منها أضرارًا، باستثناء صاروخ حمل رأسًا حربياً بقنبلة عنقودية، وهو الاستخدام الثاني المعلن لهذا السلاح.
وفي 1 سبتمبر/أيلول، أطلق الحوثيون صاروخًا على ناقلة المواد الكيميائية/النفط الإسرائيلية سكارليت راي قرب ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر، وهي منطقة تقع خارج نطاقهم التقليدي وقريبة بشكل خطير من منشآت تصدير الطاقة.
وبعد يوم واحد، أعلنوا مسؤوليتهم عن هجوم بطائرات بدون طيار وصواريخ على سفينة الحاويات MSC ABY في شمال البحر الأحمر، دون تأكيد رسمي حتى لحظة إعداد التقرير.
خلفية الصراع
يشير التحليل إلى أن قرار إسرائيل باستهداف حكومة الحوثي كان متوقعًا بالنظر إلى تطورات سابقة. فمنذ حرب غزة عام 2023، دأب الحوثيون على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية والسفن التجارية تحت شعار "الدفاع عن فلسطين"، معتمدين جزئيًا على دعم وتسليح إيراني.
إسرائيل التزمت بوقف إطلاق النار لأشهر، حتى يوليو 2024، عندما أسفرت ضربة حوثية عن سقوط مدنيين، لتبدأ بعدها موجة من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، ومطار صنعاء، ومحطات الطاقة والوقود.
ويصف التقرير استهداف حكومة الحوثيين وقطع رأسها بأنه تذكير دراماتيكي بتصميم إسرائيل على ردع أحد أكثر أذرع إيران نشاطًا. كما يشير إلى أن العملية جاءت بفضل تعزيز جمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن، بما في ذلك وحدة جديدة تضم 200 عنصر.
رد الحوثيين كان داخليًا عبر تكثيف القمع، حيث استهدفوا معارضين وجواسيس مفترضين، واقتحموا منشآت للأمم المتحدة واعتقلوا ما لا يقل عن 19 موظفًا.
مفارقات الضربة
يلفت التقرير إلى أن الغارة لم تقتل أيًا من صناع القرار العسكريين أو السياسيين الحوثيين. معظم القتلى – بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية – لم يكونوا جزءًا من الحركة أصلًا، بل سياسيين وتكنوقراط من أحزاب ومناطق مختلفة.
وبذلك، فإن إسرائيل قضت على "حكومة صورية"، وربما فقدت فرصة الاستفادة من شخصيات كان يمكنها لعب دور في أي مفاوضات مستقبلية. هذا الواقع، بحسب شهادات يمنيين تحدثوا للباحثة، قد يصب في مصلحة الحوثيين، إذ يمنحهم غطاءً لتشديد القمع وتوحيد الشارع خلف خطاب العداء لإسرائيل.
تصعيد متبادل يلوح في الأفق
يؤكد التقرير أن المسار المباشر هو تصعيد عسكري متبادل: الحوثيون يهددون بالانتقام ويواصلون هجماتهم، فيما يعتبر مسؤولون إسرائيليون أن العملية ليست سوى بداية حملة أوسع قد تستمر حتى بعد أي وقف محتمل لإطلاق النار في غزة.
الأخطر – وفق التحليل – هو استهداف سفينة قرب الساحل الشمالي السعودي، وهو ما قد يفتح الباب أمام حملة حوثية في مناطق من البحر الأحمر كانت تُعتبر آمنة، ما يشكل تحديًا للوفاق الهش بين الجماعة والسعودية.
قيود وحدود
رغم التهديدات المتبادلة، يرى معهد واشنطن أن كلا الطرفين محكومان بقيود صلبة:
استمرار الضربات قد يعيق الحوثيين مؤقتًا، لكنه لن يسقط سلطتهم.
إسرائيل تواجه أعباء لوجستية ومالية كبيرة لتنفيذ عمليات على بُعد أكثر من 2000 كيلومتر، وسط أولويات إقليمية أخرى.
حتى القوة الجوية – إذا استُخدمت بشكل وحشي ضد البنية التحتية – لن توقف هجمات الحوثيين أو تُطيح بهم من السلطة. والنتيجة الأرجح، بحسب التقرير، هي المزيد من المعاناة للمدنيين وتعاظم المخاطر على الأمن البحري والإقليمي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news