في بلد ينهار تحت ركام الحرب والخسارات، يزهر الأمل على غير العادة في هيئة جمانة جمال. شابة يمنية لم تتجاوز عقدها الثاني، شاعرة وملحنة، خرجت من العزلة إلى فضاء الشهرة لتثبت أن الفن قادر على تجاوز كل القيود.
رحيل الأم المبكر ترك الطفلة جمانة في ظلام موحش، إلا أن مكتبة والدها تحولت إلى ملاذ ونافذة على الشعر والموسيقى. هناك تفتحت عيناها على الكلمة، وتدرّبت أذنها على الإيقاع، لتصوغ مبكرًا هوية فنية جمعت بين رهافة الحس وعمق الفكر. تقول جمانة: «الموسيقى عالم، والكتابة كذلك، وكل منهما يعيد صياغة الآخر داخل الروح».
في الثانية عشرة كتبت أولى قصائدها، مجاراةً لقصيدة نزار قباني «مدرسة الحب»، ومنذ تلك اللحظة أصبح الشعر واللحن متلازمين في مسيرتها. وكانت بدايتها اللافتة عام 2020 مع ألبوم «سفينة نوح» للفنان ناصر نايف، حيث برز اسمها كموهبة واعدة.
لم تتردد جمانة في خوض التجربة مع نجوم الصف الأول؛ فقد كتبت ولحّنت لعبدالله الرويشد أغنية «كل ما قلت ارتويت زادني وصلك عطش»، المستوحاة من روح فن المحضار اليمني، ولأصالة قدمت لحن «الكرسي»، فيما غنّت نوال من ألحانها «على مهلك»، ووصفتها نوال بأنها «مدرسة فنية تمنح الثقة بلا وصاية».
أما التعاون المفصلي فكان عام 2024 مع كاظم الساهر، الذي لحّن قصيدتها «مررتِ بصدري»، ووصفها بأنها «صاحبة نضج يفوق عمرها، وإضافة حقيقية لمسيرتي». بعدها تواصلت تجاربها مع عبدالمجيد عبدالله ونجوم صاعدين مثل عايض ووليد الجيلاني وعبدالعزيز المعنى.
الأهم في مسيرتها هو تعاونها مع فضل شاكر، الذي سبق تعاونها مع الساهر، من خلال كتابة وتلحين ألبوم كامل عام 2023. ولعل أغنية «صحاك الشوق» التي صدرت قبل أيام وحققت نجاحًا واسعًا على المنصات العربية، هي إحدى ثمار ذلك التعاون. يقول شاكر عنها: «جمانة تحمل روحًا موسيقية نادرة، أضافت لقلبي قبل أن تضيف لصوتي».
جمانة لا تبحث عن الأضواء بقدر ما تسعى إلى الصدق الإبداعي. ترى أن قيمة الفن تُستمد من أثره في الأرواح، لا من حضور الكاميرات، مؤمنة أن الموسيقى، بوصفها ملاذ الشعوب، قادرة على مداواة كل الخسارات.
هكذا… بعد أن فقدنا نحن اليمنيون كل شيء تقريبًا، هاهي جمانة تمنحنا سببًا للفخر؛ تتجاوز البؤس، تكسر القوالب، وتكتب اسمها بحروف من لحن وكلمة.
وعليه، لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول باعتزاز كبير: دوام الألق يا جمانة… شكرًا من القلب على كل هذا الجمال. وكل الأغنيات أمنيات بغد أجمل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news