لماذا تتصاعد الاعتقالات لموظفي المنظمات الدولية في اليمن؟
قبل 20 دقيقة
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء أواخر أغسطس 2025 ضربة جوية استهدفت تجمعًا لقيادات بارزة في مليشيات الحوثي في منطقة بيت بوس، وأسفرت عن مقتل رئيس مجلس الوزراء التابع للمليشيات أحمد غالب الرهوي وعدد من أعضاء حكومته (رويترز، 30 أغسطس 2025). وأفادت تقارير بمقتل 12 شخصية قيادية، بينهم وزراء العدل، الاقتصاد، الزراعة، الخارجية، الطاقة، والثقافة، إضافة إلى مسؤولين أمنيين وإداريين (تقارير إعلامية، 28–30 أغسطس 2025). ولا يزال الغموض يحيط بمصير وزير الدفاع محمد ناصر العاطفي، ووزير الداخلية عبدالكريم الحوثي، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع جلال الرويشان، حيث تباينت الأنباء حول حضورهم الاجتماع لحظة القصف
.
تم تعيين المتشدد محمد أحمد مفتاح، نائب الرهوي، قائمًا بأعمال رئيس الوزراء خلفًا للرهوي، في خطوة تُعتبر مؤشرًا على توجه المليشيات نحو تشديد سياساتها الداخلية والخارجية.
تزامنًا مع الضربة الجوية، شنت مليشيات الحوثي حملة اعتقالات واسعة استهدفت موظفين محليين ودوليين يعملون مع منظمات أممية، تشمل برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) ومفوضية حقوق الإنسان. وشملت الحملة اقتحام مكاتب هذه المنظمات في صنعاء وصعدة، ومصادرة أجهزة اتصال ووثائق رسمية، واعتقال ما لا يقل عن 18 موظفًا (مركز صنعاء للدراسات، سبتمبر 2025).
يُلاحظ أن معظم الكوادر المعتقلة من المتخصصين في مجال المعلوماتية وتكنولوجيا البيانات، حيث سارعت المليشيات إلى اتهامهم بالعمل في أنشطة تجسسية، في خطوة تُظهر مدى التخبط الذي تعيشه القيادة الحوثية بعد الضربة، وانعدام التنسيق بين دوائر صنع القرار داخل المليشيات.
أعربت الأمم المتحدة عن "قلق بالغ" إزاء سلامة موظفيها، مؤكدة أن استهداف العاملين الإنسانيين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني (أخبار الأمم المتحدة، 2 سبتمبر 2025). وجددت الولايات المتحدة وبريطانيا مطالبهما بالإفراج الفوري عن المعتقلين، بينما حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن استمرار هذه الانتهاكات يهدد بانهيار برامج المساعدات التي يعتمد عليها أكثر من 21 مليون يمني (تقرير مجلس الأمن، يونيو 2025).
وتجلى الانقسام داخل مجلس الأمن مرة أخرى بين الموقفين المعتادين: دعوات غربية لمحاسبة الحوثيين، وموقف روسي صيني يدعو إلى "عدم تسييس العمل الإنساني" والتركيز على الحلول الدبلوماسية (جلسة مجلس الأمن، 27 أغسطس 2025).
ليس هذا النهج جديدًا في سياق الصراعات المسلحة، ففي ليبيا (2014) والسودان (2023)، تحولت المنظمات الدولية إلى أدوات للضغط والمقايضة بين الأطراف المتصارعة (تقارير مجلس الأمن 2015 و2023). وفي اليمن، كشف اغتيال الرهوي ووزرائه عن هشاشة البنية القيادية للحوثيين، مما دفعهم إلى تبني استراتيجية مزدوجة: استعراض القوة داخليًا لتعبئة الأنصار، وخلق ورقة ضغط ضد المجتمع الدولي لانتزاع تنازلات سياسية أو مالية.
تمثل الضربة الإسرائيلية وموجة الاعتقالات نقطة تحول خطيرة في المشهد اليمني. تواجه صنعاء عزلة مزدوجة: عسكرية بسبب الخسائر القيادية الجسيمة، وإنسانية نتيجة شل عمل المنظمات الدولية. وفي ظل غياب تحرك دولي حاسم، فإن استمرار التصعيد سيؤدي إلى مزيد من المعاناة للمدنيين، الذين يدفعون ثمن صراع لا نهاية له في الأفق المنظور.
* أكاديمي ومحلل سياسي يمني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news