بشرى العامري:
في مشهد يعكس عمق التناقض حشدت ميليشيات الحوثي جموعها للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف لتحولها من مناسبة جامعة تعكس رسالة الرحمة والإنسانية، إلى مسرح ضيق لعرض شعاراتها الطائفية. المناسبة الدينية التي يفترض أنها توحّد القلوب، تحولت على أيديهم إلى صرخة مذهبية تعزز التشظي داخل المجتمع اليمني وتكريس مسار العنف وثقافة الكراهية والتمييز.
المليشيا المصنفة إرهابية تبالغ بالطقوس والبهرجة، تقيم احتفالاتها فيما دماء مقاتليها وأنصارها الذين سقطوا قبل أيام لم تجف بعد. أولئك الذين يُدفعون إلى الجبهات كوقود لمعركة لا يملكون منها سوى رائحة البارود، لا يجدون حتى لحظة صمت في ذاكرة قادتهم، لأنهم ببساطة ليسوا من “الخاصة المصطفاة” بل مجرد أدوات قمع طيّعة وملح أرض يُستهلك في سبيل مشروع سلالي مغلق، يبرر الموت ويحتقر الحياة.
وتتجلى المفارقة بأبشع صورها حين نرى المليشيا تبالغ في الحزن وترفع رايات الحداد على رموز طهران من قاسم سليماني إلى حسن إيرلو، وتبكي حسن نصر الله بحرقة، بينما لا ترف لها عين إذا ما سقط يمني، حتى وإن قضى وهو يقاتل مع مشروع الموت تحت رايتها.
فاليمني في نظرها ومركز تحركها بطهران ليس أكثر من رقم صغير في معركة كبرى تُدار من خارج الحدود، معركة ترى في اليمن مجرد مخلب إيراني في خاصرة المنطقة والأمة برمتها.
كل ذلك يؤكد أن القرار ليس في صنعاء، بل في طهران؛ فمن هناك تُكتب نصوص الطقوس وتُرسم ملامح الولاء وتُحدّد موازين الدم، لتبقى البلاد رهينة مشروع لا يعكس هوية اليمنيين ولا يُشبه تضحياتهم ولا يحترم تاريخهم، بل يستنزفهم باسم قداسة زائفة ومشروع موت لا ينتهي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news