بشرى العامري:
في قلب المأساة التي نعيشها منذ أكثر من عقد من الزمن، تتكشف اليوم ظاهرة لا تقل خطورة عن آلة الحرب الحوثية ذاتها: تيار يزعم العقلانية والحياد، لكنه في جوهره ليس إلا قوة ناعمة تخدم مشروع الميليشيا لا اكثر.
. هؤلاء لا يرفعون السلاح، لكنهم يرفعون أخطر منه: خطاب يجمّل الجريمة ويكبل الضحايا بدعوات زائفة إلى “الحياد” و”المسافة الواحدة”.
يدّعي هؤلاء أنهم ضد جميع الأطراف، وأن العقلانية تقتضي ألا ننحاز في حرب “بين طرفين”. غير أن الواقع لا يحتمل هذا التمويه؛ فحين تكون أمام عصابة مسلحة تقتل أهلك، وتنهب كرامتك، وتسلب لقمة عيشك، فإن الدعوة إلى الحياد ليست سوى تواطؤ صريح مع القاتل. الحياد في قضايا الدم والظلم ليس فضيلة، بل جريمة مضاعفة.
والأدهى أن هذا التيار لم يكتفِ بالصمت، بل نصّب نفسه قاضياً يمنح “صكوك الوطنية والنزاهة” معيارهم بسيط ومقيت: دع الحوثي يسرح ويمرح كما يشاء، ولا تعترض، وإلا فأنت “مرتزق” و”عديم الوطنية”.
بسب هؤلاء انقلبت المفاهيم حتى صار الخضوع للجريمة “عقلاً”، وصار الاعتراض عليها “خيانة”!
المفارقة أن هؤلاء “العقلانيين” لا يجرؤون حتى على المطالبة بإطلاق سراح الصحفيين والناشطين المخفيين في سجون الحوثي، ومع ذلك يتحدثون عن المهنية والحياد! أية مهنية هذه التي تغض الطرف عن القمع والتعذيب والاعتقال؟ وأي حياد هذا الذي يعمي العين عن الضحية ويُسخّر الكلمة لتجميل الجلاد؟
إن أخطر ما يقوم به هذا التيار هو محاولته تخويف الأصوات الحرة، وجعلها ترضخ تحت ضغط تقييماتهم الزائفة. يرفعون شعار “المهنية” و”النزاهة”، بينما يمارسون أبشع أنواع التدليس الأخلاقي عبر مساواة المجرم بالضحية، وفرض الصمت على من يقاوم الظلم.
بينما الحقيقة البسيطة والواضحة اننا نقاوم مليشيات حوثية متمردة تقتل شعبنا سواء كما تحب الشرعية او قد لاترضى عن ادائها.
تلك الحقيقة التي يحاولون طمسها في أن مقاومة الميليشيات المتمردة ليست خياراً سياسياً، ولا خاضعة لمزاج الشرعية أو المعارضة، بل هي موقف أصيل، وبديهي، ومبدأ لا يحتمل الرمادية. فالرمادي هنا ليس حياداً، بل خيانة للضحايا، وخدمة للقتلة.
وإذا كان السواد لون مرتكب الجريمة، فإن الرمادية في هذا السياق أشد قبحاً وسواداً، لأنها تمنح القاتل غطاءً ناعماً وشرعية خبيثة، وتطعن الضحية في صمتها الجريح
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news