مفوضية اللاجئين ومعاناة اليمنيين: بين غياب الحلول الأممية وتقصير السفارات اليمنية
قبل 3 دقيقة
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014، وجد مئات الآلاف من اليمنيين أنفسهم في دائرة النزوح الخارجي إلى دول عربية وإفريقية وأوروبية، حيث قادتهم الظروف الأمنية والاقتصادية إلى البحث عن ملاذ آمن، غير أنّ معاناتهم لم تتوقف عند حدود اللجوء، بل تحولت إلى سلسلة أزمات متشابكة تبدأ من صعوبة الحصول على إقامات قانونية وتنتهي بحرمان أبنائهم من التعليم.
في الأردن تشير التقديرات إلى وجود ما يقارب سبعة آلاف لاجئ يمني مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما في مصر تظل الأعداد غير دقيقة، لكن الملاحظ هو أنّ الأوضاع المعيشية تتفاقم باستمرار. المفوضية، التي يفترض أن تضطلع بدور الحماية والدعم، لا تقدم سوى مساعدات محدودة ومؤقتة، في حين تبقى البطاقات التي تصدرها للاجئين مجرد وثائق غير معتمدة في كثير من المعاملات الرسمية، ما يجعل اليمنيين عالقين بين تعقيدات القانون وغياب البدائل.
أحد أبرز مظاهر الأزمة في مصر تجسد في إغلاق المدارس اليمنية الخاصة التي كانت تستوعب آلاف الطلاب، وهو ما فتح الباب أمام مشكلة كبرى لحوالي سبعة آلاف طالب يمني لم يعد بإمكانهم الالتحاق بالمدارس الحكومية أو الخاصة المصرية، بحجة أنهم لا يحملون إقامة سنوية، بينما الإقامة السياحية التي كان يلجأ إليها الكثير من الأسر لم تعد مجدية بعد ارتفاع كلفتها إلى 300 دولار سنويًا للشخص الواحد وعدم قبول الإقامة السياحية للتسجيل في المدارس المصرية الحكومية و الخاصة بحسب اوانر الادارات التعليمية في مصر ، وبالنتيجة أن آلاف الأطفال والطلاب اليمنيين أصبحوا مهددين بفقدان حقهم في التعليم، في ظل غياب حلول جادة من قبل السفارة اليمنية او استجابة من الحكومة المصرية أو المفوضية وحتى أن تصريحات السفارة اليمنية في القاهرة اصبحت مجرد اقوال وتطمينات دون نتيجة والوقت ينفذ ولا حل يلوح في الأفق مع اقتراب إغلاق فترة القبول بالمدارس المصرية.
هذه السفارات، التي يُفترض أنها الحامي الأول لحقوق مواطنيها، تكاد تكون غائبة تمامًا عن المشهد، مكتفية بأدوار بروتوكولية، بينما مشاكل اليمنيين تتراكم: من صعوبة تسجيل الطلاب، إلى تعقيدات استلام الحوالات المالية، إلى القيود على حيازة العملات الأجنبية التي أدت إلى اعتقال بعض اليمنيين في مصر. ضعف الشرعية اليمنية انعكس بوضوح في قصور هذه الممثليات الدبلوماسية، إذ لا تمارس أي ضغط جاد على الدول المضيفة ولا تقدم حلولًا عملية تخفف من معاناة النازحين.
وتبدو مأساة اليمنيين أكثر قسوة عند إجراء مقارنة سريعة مع أوضاع جاليات لاجئة أخرى. ففي مصر ذاتها، حظي اللاجئون السوريون، على سبيل المثال، على درجة من الاعتراف الرسمي والدعم نسبيًا، تمثل في فصول دراسية مُخصصة، وتسهيلات في التحاق أبنائهم بالتعليم الحكومي، وبرامج دعم منظم من قبل المجتمع الدولي. هذا لا يعني أن أوضاعهم مثالية، ولكنها تشير إلى وجود طرف دبلوماسي وسياسي (ولو كان يمثل نظامًا متنازعًا عليه) تمكن من التفاوض وخلق مساحة من الحماية لمواطنيه. أما اللاجئ السوداني، فرغم التحديات، فهناك تمثيل دبلوماسي فاعل يتدخل لحل الأزمات الطارئة. في المقابل، يقف اللاجئ اليمني وحيدًا، كأنه "يتيم" سياسيًا، ليس له ظهر دبلوماسي يدفع عنه أو يتفاوض على حقوقه الأساسية، مما يضعف موقفه التفاوضي ويجعله الأكثر تهميشًا وتعرّضًا للمخاطر.
المأساة لا تتوقف عند مصر وحدها، فاليمنيون في دول المغرب العربي أو في أوروبا يواجهون تحديات مماثلة، من القيود على الإقامة والعمل، إلى غياب الاعتراف القانوني بوضعهم كلاجئين. لكن ما يجعل معاناتهم أكثر قسوة هو أنّهم لا يملكون ظهرًا سياسيًا يحميهم، ولا حكومة فاعلة تدافع عن حقوقهم، بل يجدون أنفسهم وحيدين أمام البيروقراطية والقيود الأمنية والقوانين المحلية الصارمة.
إنّ معالجة قضية اللاجئين اليمنيين لا يمكن أن تتم عبر تقارير شكلية تصدرها الأمم المتحدة UN او المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHR) التي تتعامل مع اللاجئين في مصر بطريقة سيئة وغير عملية من خلال طوابير الانتظار لساعات طويلة دون تفعيل لاي نظام آلي للتقديم و انجاز المعاملات التي تستغرق اسابيع واشهر للحصول على بطاقة مؤقتة او اغلاق او تعديل في الملف أو البيانات وتكتفي بالاطر البروتوكولية الزائفة التي تصدرها و تواطؤ واهمال بعض السفارات مثل السفارة اليمنية في القاهرة، بل اصبحت معاناة اليمنيين تحتاج إلى تحرك سياسي جاد يعيد الاعتبار لحقوق اليمنيين في التعليم والصحة والعمل والإقامة الكريمة. كما أنّ على المجتمع الدولي، إذا كان جادًا في مسؤولياته الإنسانية، أن يلتفت إلى هذه المأساة التي تتفاقم عامًا بعد آخر، فيما تستمر الشرعية اليمنية في عجزها عن تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها.
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news