مشاورات خطة الإنقاذ: هل ينجح اليمن في تفادي الانهيار المالي؟
قبل 23 دقيقة
لا تكمن الأهمية في الجانب المالي وحده، بل في الاعتراف الدولي الذي يمنحه الصندوق للحكومة اليمنية من خلال هذه المشاورات. يعزز هذا الاعتراف شرعية الحكومة في المحافل الدولية ويمنحها القدرة على جذب دعم إضافي من المانحين، لاسيما من دول الخليج العربي التي مثل تدخلها الاقتصادي والإنمائي رافعة رئيسية لاستمرار وفاء الدولة بالتزاماتها. وقد أشار رئيس الوزراء بوضوح إلى الدور الكبير للسعودية والإمارات في تثبيت الاقتصاد خلال السنوات الماضية، مما يبرز أن أي خطة إنقاذ لا يمكن أن تنجح دون تنسيق خليجي مباشر مع الصندوق.
ولا يمكن تحليل الأزمة المالية والاقتصادية في اليمن بمعزل عن العامل السياسي والأمني المُؤسس لها، والذي تمثل في الانقلاب الذي قادته الجماعة الحوثية على السلطة الشرعية نهاية عام 2014. لم يفتت ذلك الانقلاب الاستقرار السياسي فحسب، بل أسس لانقسام نقدي ومؤسسي حاد، حيث أنشأت الجماعة الحوثية في المناطق الخاضعة لسيطرتها نظاماً مالياً موازياً استهدف البنك المركزي في العاصمة صنعاء، مما أدى إلى تعدد سياسات الطباعة النقدية وتضاربها وساهم بشكل رئيسي في الانهيار الكارثي لقيمة العملة الوطنية التي فقدت أكثر من 500% من قيمتها منذ 2015، وتفاقم التضخم.
وتصاعد هذا التهديد ليشمل الأمن الإقليمي والعالمي عبر الهجمات المباشرة والمتكررة التي تنفذها الجماعة الحوثية على ملاحة البحر الأحمر الدولية في باب المندب، مستهدفة ناقلات النفط والسفن التجارية، مما يضع اليمن ليس فقط أمام أزمة مالية وإنما أمام تحدي وجودي مرتبط باستعادة الدولة وسيادتها على مواردها وحدودها.
حيث تشير تقديرات وكالة الطاقة الأمريكية ووزارة النفط اليمنية إلى أن اليمن كان ينتج نحو 55–75 ألف برميل يومياً قبل توقف التصدير في أكتوبر 2022 بعد استهداف الحوثيين لموانئ التصدير في شرق اليمن وبخاصة من قطاعات حوض المسيلة-سيؤن (مثل قطاعات 14، 10، 32، 9) وقطاع 5 من حوض السبعتين في مينائي الضبة والنشيمة النفطيين.
وفي هذا الإطار، يصبح دور السعودية والإمارات محورياً، فهما ليستا مجرد داعمين ماليين لليمن، بل هما أيضاً معنيتان بضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر واستقرار سوق النفط والغاز، ومن مصلحتهما المباشرة عودة الإنتاج اليمني بشكل آمن ومنظم. هذا البعد الإقليمي يجعل من إعادة التصدير قضية تتداخل فيها مصالح اليمن مع مصالح جيرانه الخليجيين الداعمين للاستقرار والتنمية في اليمن، وعلى رأسها السعودية والإمارات، مما يمنح الحكومة اليمنية فرصة لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع هذين البلدين الشقيقين وتحويل الدعم القائم من المساعدات الآنية إلى استثمارات طويلة الأمد وشراكات دائمة مرتبطة بقطاع الطاقة والاستثمار والتنمية المستدامة.
إلى جانب ذلك، تمثل إعادة تشغيل مصفاة عدن خطوة محورية لإعادة هيكلة قطاع الطاقة. فالمصفاة التي كانت تاريخياً العمود الفقري لتكرير النفط وتوفير المشتقات محلياً تعطلت بفعل الحرب والإهمال، وأدى توقفها إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد للمشتقات النفطية عبر تجار، وتم إقصاء الجهة الحكومية وهي شركة النفط اليمنية التي كانت تتولى توزيع المشتقات النفطية وتتكامل مع مصفاة عدن في استيراد النفط الخام أو المشتقات التي تنقص في السوق نتيجة انخفاض القدرة التشغيلية للمصفاة. وللأسف، يقوم تجار المشتقات النفطية الآن باحتكار استيرادها وبيعها بأسعار مرتفعة، مما عمّق أزمة الوقود وانعكس على كلفة المعيشة والنقل والإنتاج وغيره من قطاعات الاقتصاد.
بالمقارنة، فإن اليمن يقف اليوم أمام لحظة مشابهة، لكنه يمتلك فرصة ضيقة للنجاح إذا تمكن من استثمار الاعتراف الدولي الحالي، وتفعيل الإصلاحات بطريقة متدرجة تأخذ في الحسبان البعد الاجتماعي، والأهم من ذلك ربط الدعم المالي بخطط واضحة لزيادة الإيرادات المحلية وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد، إضافة إلى إعادة تشغيل قطاع الطاقة ولجم شراء الكهرباء بالأمر المباشر وما رافق ذلك من أخطاء وفساد وضرورة إنتاج الطاقة بطرق مختلفة وتفعيل صادرات النفط والغاز باعتبارها شريان الحياة الرئيسي للاقتصاد اليمني، وهو ما قد يقنع المانحين بتوسيع حجم التمويل وضمان استدامته.
لم تعد مشاورات المادة الرابعة مجرد تقييم تقني للأرقام، بل باتت اختباراً لمدى قدرة الحكومة اليمنية على صياغة عقد اقتصادي جديد يوازن بين شروط المؤسسات المالية الدولية وبين الضرورات الوطنية للحفاظ على السلم الاجتماعي. وإذا فشلت هذه المحاولة فإن الاقتصاد اليمني قد يدخل مرحلة انهيار مشابهة لما جرى في لبنان، أما إذا نجحت فإنها ستفتح الباب أمام مرحلة من التعافي التدريجي المدعوم إقليمياً ودولياً.
المراجع:
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news