حملة اختطافات حوثية مسعورة عقب مقتل حكومتها بضربة اسرائيلية (برّان برس)
برّان برس - وحدة التقارير:
بعد ساعات من إعلان جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، عن مقتل رئيس حكومتها (غير المعترف بها) وعدد من وزرائه في غارة للاحتلال الإسرائيلي استهدفت اجتماع لهم الخميس الماضي، شهدت العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى خاضعة بقوة السلاح لسيطرة الجماعة، حملة اختطافات واسعة طالت عشرات المدنيين.
الحملة شملت مداهمات لمقرات تابعة للأمم المتحدة، منها مقري برنامج الأغذية العالمي في صنعاء والحديدة ومقر اليونيسف، واختطاف العديد من العاملين في المنظمات الإغاثية والإنسانية. وزادت حدّة هذا التصعيد، عقب خطاب لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، الذي تضمن تهديدات مباشرة لمن وصفهم بـ“الخونة”.
حاول فريق “برّان برس”، التواصل مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف، للحصول على تعليق رسمي حول هذه المداهمات واختطاف موظفيهم، إلا أنه لم يتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
كما تواصل الفريق مع "أحمد سليمان"، الممثل الجديد للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن، الذي وصل إلى مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن) في أغسطس/آب الماضي، ولم يصل منه أي رد حتى الآن.
في هذا التقرير، يناقش “بران برس” مع حقوقيين وباحثين دوافع هذه الحملات، وسياقاتها، وأهدافها. بالإضافة إلى تقييم موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إزاء هذه الانتهاكات، ويحلل تداعياتها على الوضع الإنساني وعلى جهود السلام.
وضع مقلق
في تصريح خاص لـ“بران برس”، وصفت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، القاضية إشراق المقطري، الوضع في مناطق سيطرة جماعة الحوثي مع تصاعد حملات الاختطافات والإخفاءات القسرية بأنه “مقلق جدًا ومرعب” لكل من يعيش بتلك المناطق.
وأوضحت أن هذه الحملات المتصاعدة "ليست جديدة، وإنما بدأت قبل أكثر من شهرين كجزء من حملة ممتدّة منذ يونيو 2016 ضد كافة المواطنين، وخاصة العاملين في الصحافة والإعلام والمجتمع المدني ومن ينتمون للمكونات السياسية".
وكشفت "المقطري"، عن وجود “أكثر من 38 شخصًا مخفيًا ومعتقلًا في سجون الحوثيين بصنعاء اُختطفوا خلال اليومين الماضيين. وقبل ذلك، سجّلت أكثر من 122 حالة اعتقال في محافظة إب. فيما شهدت مديرية حيفان بتعز، خلال شهري يوليو وأغسطس، حملة اعتقالات واسعة بلغ ضحاياها حتى اللحظة قرابة 60 شخصًا.
وفي الحديدة، قالت إن حملات الاعتقال التعسفية لا تزال مستمرّة، مشيرة إلى أن من بين المعتقلين في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة إيرانيًا، 13 صحفيًا وعاملًا في المجتمع المدني لم يفرج عنهم ولم يُعرف حتى مكانهم.
من جانبها، وصفت رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج، حملة الاختطافات الحوثية الأخيرة بأنها “مسعورة”، مؤكدة في حديثها لـ“برّان برس”، أن الجماعة بدأت حملتها باختطاف الخطباء والمدرسين وكل من يختلف معها فكريًا، والآن تختطف العاملين في المجال الإنساني.
تهديد اليمنيين بدلًا من إسرائيل
وفيما يتعلق بخطاب زعيم الجماعة، استغرب الصحفي والكاتب اليمني همدان العليي، ظهور عبدالملك الحوثي، لتهديد اليمنيين بدلًا من تهديد من “أهانه” أمام العالم. وأضاف أنه “بدلًا من مهاجمة من سحق رجاله، هاجم اليمنيين وتوعدهم بالويل والثبور بحجة تحصين الجبهة الداخلية من الخونة والعملاء”.
وأوضح "العليي" في حديث لـ“برّان برس” أن تهديد الحوثي لليمنيين في الداخل هدفه “الهروب من ورطة الاعتراف بالهزيمة أو التقصير أمام القطيع الذي معه”. مشيرًا إلى أن “كلامه هذا سيزيد من سعار أعوانه، وستتفاقم جرائمهم أكثر”.
وقال إن “اعتراف الحوثيين بأنهم مكشوفون قد يضعفهم أمام أنصارهم وينسف خرافة التمكين، لهذا يلجؤون إلى توجيه التهديد والوعيد نحو الداخل حيث البيئة الأقل خطورة، والتي يمكن السيطرة عليها بالترهيب والتهم الجاهزة”.
أما الحقوقية "أمة السلام الحاج"، فقالت إن خطاب الحوثي “دائمًا يتضمّن التهديدات وتخوين الناس”. متوقعة “تصاعد الاختطافات بشكل كبير جدًا، وبشكل مسعور على الجميع. مضيفة أن هذا السلوك “نعرفه منذ بداية عملنا في المجال الحقوقي”.
فيما اعتبرت "المقطري" ما تحدث به زعيم جماعة الحوثي "جزء من خطاب يدعو للعنف ويخوّن كل من لا يؤمن بسلالته وجماعته”. وأوضحت أن هذا الخطاب “لا يقصد فقط الذين يعملون في المنظمات، بل يستهدف كل صوت قوي وحاضر في تلك المناطق، ويعبر عن آرائه ولو بالحد الأدنى”.
وإلى جانب خطاب زعيم الجماعة، قالت إن “هناك تحريض كبير من قيادات حوثية ومن صحفيين في الجماعة يتضمّن الاتهام والتخوين لكل من عمل في المنظمات المحلية أو الدولية واعتبارهم مساهمين بما حدث لوزرائهم”.
استغلال الضربات
في تعليقها على الحملة الأخيرة، قالت الباحثة في إدارة النزاعات والحوكمة الغير رسمية في اليمن "ندوى الدوسري" في حديث لـ“برّان برس”، إن الحوثيين “استغلوا الضربات الإسرائيلية لتصعيد حملاتهم ضد اليمنيين، معتبرين أن كل من لا يدعمهم خائن”.
وبشأن استهدافهم للمنظمات الدولية، أوضحت "الدوسري"، أن هذا “يهدف أساساً إلى احتجاز رهائن يُستخدمون كورقة ابتزاز للمجتمع الدولي للحصول على تنازلات متى شاؤوا”.
شمّاعة الخطر الخارجي
من خلال هذه الرسائل، قالت الباحثة في الشأن اليمني- الإيراني، فاطمة أبو الأسرار، إن الحوثيين يحاولون “تصوير الأزمة على أنها نتيجة تغلغل أجنبي لا فشل داخل بنيتهم”.
وأضافت لـ“برّان برس”، أن “الرسالة المقصودة واضحة: إسكات أي أصوات داخلية، والتلويح بأن الخطر يأتي من الخارج، مع حصر الاتهامات في الأجانب أو في من تربطهم صلة بالجماعة نفسها، وكأن الانهيارات البنيوية ليست من داخل الجماعة“.
واللافت في هذه الحملة، وفق "أبو الأسرار"، أنها “ليست مجرد ردة فعل عشوائية، بل تكرار لنفس النهج الإيراني”، موضحة أنه “بعد الحرب بين إسرائيل وإيران شنّ الحرس الثوري حملة اعتقالات واسعة النطاق على ذات المستوى تقريبًا”، مبيّنة أن هدفها كان “تصدير الأزمة واتهام “التغلغل الأجنبي” بدلاً من مواجهة الفشل الداخلي.
وقالت إن “الحوثيين ينسخون نفس القاموس الأمني الذي يجعل من المساعدات والموظفين الدوليين رهائن في لعبة إقليمية أكبر”.
دبلوماسية الرهائن
عن دوافع استهداف المنظمات، قال الصحفي "العليي"، وهو مؤلف كتاب “الجريمة المركّبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن”، إنه لا يمتلك “إجابة كافية” لتفسر هذا السلوك، خصوصًا وأنها “تقدم لهم خدمات كبيرة”.
وأرجع هذا إلى نهج “دبلوماسية الرهائن”، وهو المصطلح الذي قال إنه “ظهر مع انتهاج النظام الإيراني أسلوب اختطاف أشخاص يحملون جنسيات غربية، والمساومة بهم لإجبار دولهم على تقديم تنازلات في ملفات معينة مقابل إطلاقهم”.
وبنفس الطريقة، قال إن الحوثيين “كلما شعروا بالضغط الشديد يقومون باستهداف المنظمات أو اختطاف أشخاص يعملون فيها، ومن ثم المساومة بهم وانتزاع تنازلات مثل نقل الشخصيات إلى الخارج، أو تقديم بعض المساعدات كالضغط على مكتب المبعوث الأممي لتنفيذ بعض المطالب مقابل إطلاق سراح بعض الموظفين.
إسناد دولي للجريمة
فيما يخص ردود الفعل الدولية، عبّرت الحقوقية "إشراق المقطري"، عن أسفها لغياب أي إدانة من مكتب المبعوث الأممي لهذه الاعتقالات التعسفية والاحتجازات. وأوضحت أن المكتب كان يدين مثل هذه الممارسات في الأعوام (2016، 2017، 2018)، ويصدر خطابات معلنة وتوضيحات بوضع حقوق الإنسان، لكن الآن يبدو أن لديهم حسابات أخرى.
كما استغربت حالة الصمت التي وصفتها بـ“المخزية” للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، خاصة السفارات والبعثات والمقررين الخواص التابعين لمجلس حقوق الإنسان، وحتى الآليات التعاقدية المختلفة التي تعد عضوًا فيها.
وأكّدت أنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد أي منظمة أو جهة أصدرت بيان أو توضيح أو ضغط على جماعة الحوثي لوقف هذه الانتهاكات”، مشددة على ضرورة أن تظهر المنظمات الدولية “تعاطفها مع المحتجزين والمحتجزات”. مؤكدة أن “هذا الصمت يساند ما تفعله جماعة الحوثي”. وبعكس هذا قالت إن “الضغط على الجماعة، وكشف حقيقتها يؤثر على وضع المحتجزين ويقوي موقفهم”.
واتفقت "الحاج"، بأن موقف المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لا يرقى إلى مستوى الواقع، مؤكدة أن “التنديد والاستنكار لا يكفي، ولا بد من فعل على الميدان”. وقالت: نريد فعلًا في الميدان.. نريد تجريم ومحاسبة للمنتهكين لحقوق الإنسان. نطالب بموقف دولي جدّي، وجهود حقيقية تتجاوز التنديد والشجب والتعاطف.
جهود سلام شكلية
في إطار تفسير الدوافع والأهداف، اعتبرت "المقطري" الحملة الحوثية رسالة للمبعوث الأممي، وكل من يعمل فيما أسمته “جهود السلام الشكلية” بأن “جماعة الحوثي ترفض هذه المبادرات، ولا تؤمن بأي مواضيع سلام”.
وتساءلت: “كيف يمكن الحديث عن سلام مع طرف هو أساسًا لا يؤمن بهذه الفكرة، والدليل بأنه لم يقم بأي خطوات تساهم في إجراءات السلامة والثقة فيما بين اليمنيين”. معتبرة هذا “تأكيد واضح بأن الجماعة ترفض كل ما يسمى سلام، وتعتبر السلام جزء من التخوين، وجزء من استهدافها”.
في حديثه عن موقف المنظمات الأممية، عبّر "العليي"، عن تعاطفه وشفقته عليها، وهي التي قال إنها “لطالما قدمت تنازلات للحوثيين، وأصبحت اليوم مثل اليمنيين تطالب بالموظفين العاملين معها”.
وأضاف: "أشعر بحاجتهم إلى تضامننا اليوم، وهذا ليس من باب السخرية وإنما حزن حقيقي. فإذا كانوا عاجزين عن إقناع الحوثيين أو إجبارهم على تنفيذ بعض المطالب مثل إطلاق سراح العاملين معهم المختطفين منذ مدّة طويلة، فلا ينبغي لهم أن يفرضوا على اليمنيين التنازل عن حقوقهم الأساسية أو القبول بتسوية سياسية شكلية لا تضمن حقوقهم".
تقويض الشريان الإنساني
تتلخّص النتيجة المباشرة لهذه الحملات، وفق "أبو الأسرار"، في “تقويض ما تبقى من الشريان الإنساني لليمنيين، وإضعاف فرص أي مسار سياسي جاد”.
فيما اعتبرت رئيسة رابطة أمهات المختطفين، هذه الحملة المتواصلة تهديدًا للسلم الاجتماعي ولجهود السلام، معتبرة استهداف العاملين في المجال الإنساني تحديًا خطيرًا لجهود الاستجابة للأزمة الإنسانية، ويرسل رسالة سلبية للمدنيين مفادها أنهم لن يحصلوا حتى على الغذاء بعد اعتقال الموظفين الذين يقومون بتوزيعها.
واستغربت "الحاج"، أن هذه الممارسات تأتي رغم أن الحوثيين يستفيدون من هذا الغذاء لجنودهم وللذين يعملون معهم، ولكنهم لا يبالون بمعاناة المدنيين؛ لأنهم يعتبرونهم مجرد “عبيد” لا يستحقون الاهتمام.
من جانبه، أشار "العليي"، إلى أن استهداف المنظمات الدولية، لا سيما اليونيسف والغذاء العالمي، سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد. وقال إنه رغم وجود أخطاء وتجاوزات واستغلال كامل من قبل الحوثيين لتلك المساعدات.
واستدرك قائلاً: "لكن هذه المنظمات تقدم مساعدات للمواطنين وإن بنسبة ضئيلة، واستهدافها سينعكس سلبًا على المواطنين والوضع الإنساني المتردي بسبب سياسة التجويع التي ينتهجها الحوثيون لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والطائفية".
مكافأة أممية على الانتهاك
الباحثة "ندوى الدوسري"، وصفت دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأنه “سلبي”. لافتة إلى الأنباء التي تفيد بإخلاء الأمم المتحدة جرحى الحوثيين على طائرة أممية بعد يوم واحد من اختطافهم 11 موظفًا أمميًا إلى جانب 23 آخرين اختطفوهم قبلها.
وقالت إن "المشكلة لا تقتصر فقط على غياب محاسبة الحوثيين على جرائمهم بحق المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، بل إن كل انتهاك يرتكبونه يُقابل بنوع من المكافأة”. وأضافت: "حين تقوم بإجلاء الحوثيين بطائرة أممية بعد اختطافهم لموظفيك. فماذا يُفهم من هذا؟ إنه بمثابة مكافأة على الانتهاكات".
وتوقعت "الدوسري"، أن يشن الحوثيون حملات أكثر سعاراً، وأن يخجل المجتمع الدولي بشكل أكبر في التعامل معهم. وقالت إن هذا ليس جديد على المنظمات الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بل هو نمط مستمر من 2015. في أحسن الأحوال، يردوا على انتهاكات الحوثيين بتصريحات قوية. لكن هل هناك محاسبة؟ لا بالعكس هناك مكافأة.
سيناريوهات مفتوحة
"المقطري" أكّدت ما قالته "الدوسري"، معتقدة بأن “الوضع سيزيد سوءً، وأن الاعتقالات قد تطال شريحة واسعة من اليمنيين”. وحذرت من أن النساء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي معرضات لخطر يهدد سلامتهن وأمنهن، متوقعة زيادة في أعداد المحتجزين والمحرومين من حريتهم، وتشديدًا للقبضة الأمنية للجماعة.
وأشارت إلى أن “كل السيناريوهات متوقعة من جماعة الحوثي، خاصة وأنها قامت فور تصريح زعيمها الديني عبد الملك الحوثي، بمداهمة ما تبقى من مكاتب اليونيسيف وغيرها، واحتجاز 18 موظف، والاستيلاء على ما بحوزتهم من أجهزة ووسائل مرتبطة بأعمالهم. مرجحة أن يصل هذا التصعيد إلى بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة، ويطال ما تبقى من منظمات تعمل في المجال المدني التنموي أو الحقوقي.
ومن السيناريوهات، توقعت "المقطري" أن تجرى الجماعة محاكمات مخالفة للقانون، وتعرّض الضحايا لأشكال وصنوف من التعذيب المباشر وغير المباشر. مشددة على أن “الوضع في اليمن يزداد سوءًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ولا بد من ضغط أكبر وعمل حقيقي يضعف هذه الجماعة ويقلص نفوذها في تلك المناطق”.
فيما اعتبر "العليي"هذه الحملات التي تستهدف أساسًا العاملين في المنظمات “تعد مؤشرًا على طبيعة الوضع الذي سيكون عليه الحال إذا استمرت هذه الجماعة في السيطرة على السلاح وأموال الدولة”. واصفًا الوضع بأنه “غابة بلا قانون، فبمجرد وقوع حدث بسيط تقوم الجماعة بنهش أجساد المواطنين بمبرر وبدون مبرر”.
اختطافات حوثية
اعتقالات الحوثيين
موظفي المنظمات الأممية
انتهاكات الحوثيين
حكومة الحوثيين
الأمم المتحدة
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news