تحوّل التعليم إلى سلعة للمتاجرة في ظل الأزمة الوطنية
قبل 8 دقيقة
في ظل الظروف الكارثية التي يعيشها الوطن منذ اندلاع الحرب الانقلابية، تدهورت كافة مناحي الحياة، ولم يكن القطاع التعليمي بمنأى عن هذا الانهيار، بل كان من أوائل المتضررين. فقد أصبح التعليم الحكومي شبه منهار، يعاني من نقص حاد في الكوادر المؤهلة، وتدنٍّ كبير في جودة العملية التعليمية، الأمر الذي دفع كثيرًا من المواطنين إلى البحث عن بدائل تضمن استمرارية تعليم أبنائهم
.
وفي ظل هذا الوضع، اتجهت الكثير من الأسر، مُرغمة، إلى التعليم الأهلي بمراحله المختلفة: الأساسية، والثانوية، والجامعية، باعتباره الخيار الوحيد المتاح أمامهم لتدارك مستقبل أبنائهم التعليمي. إلا أن هذا الاتجاه، الذي كان في الأصل طوق نجاة، سرعان ما تحوّل إلى عبء ثقيل على كاهل المواطنين.
فبدلاً من أن يكون التعليم الأهلي مكمّلًا وداعمًا في هذه المرحلة الحرجة، استغله القائمون عليه، من مالكي المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، كفرصة لتحقيق أرباح طائلة. لقد حوّلوا التعليم إلى سلعة تُباع وتُشترى، متجاهلين تمامًا الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للمسألة، وواقع الناس المعيشي المتدهور.
ورغم أن رسوم التعليم الأهلي شهدت ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الماضية بحجة تدهور سعر صرف العملة الوطنية، إلا أن هذه المؤسسات لم تبادر إلى تخفيض رسومها بعد تحسن سعر الصرف، بل ظلّت متمسكة بالرسوم المرتفعة. بل إن هذه الرسوم، مقارنة بالوضع الجديد، باتت تساوي ضعفين أو ثلاثة أضعاف الرسوم الفعلية، ما يعني مضاعفة أرباح تلك المؤسسات بشكل غير مبرر.
ويحدث هذا رغم التوجيهات الواضحة من رئيس الوزراء، الأستاذ سالم صالح بن بريك، الذي أمر بتخفيض الرسوم فورًا تماشيًا مع التحسن الملحوظ في سعر صرف العملة، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين. لكن تلك التوجيهات لم تُنفّذ حتى اليوم، ما يثير تساؤلات عديدة حول مدى التزام هذه المؤسسات بالقوانين، وحول دور الجهات الرقابية والإشرافية في متابعة المخالفات واتخاذ الإجراءات الرادعة.
لقد بات التعليم الخاص، الذي من المفترض أن يسهم في بناء الوطن والإنسان، أداة للاستغلال ومصدرًا للربح السريع، دون مراعاة للواقع الاقتصادي المتردي للأسر، التي بالكاد توفّر قوت يومها. وهذا الوضع لا يهدد فرص الطلاب في التعليم فقط، بل ينسف الأسس التي يقوم عليها المجتمع السليم.
ومن هنا، فإننا نطالب القائمين على المؤسسات التعليمية الأهلية بتحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والاجتماعية، وخفض الرسوم التعليمية بما يتناسب مع التحسّن في سعر الصرف. كما يجب على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، ومكاتبها في المحافظات، والأجهزة الرقابية، أن تمارس دورها بفعالية، وتشرف على تنفيذ توجيهات رئاسة الوزراء، وتضبط المخالفات، وتعاقب المستغلين.
فالتعليم ليس سلعة تُباع وتُشترى، بل هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وعماد مستقبل أي وطن. ولا يمكن أن ننهض كدولة ومجتمع إذا ما تم تحويل هذا الحق إلى مشروع ربحي يستنزف جيوب المواطنين ويقتل طموحات الأجيال القادمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news