اليمن الاتحادي/ خاص:
تتوالى المعطيات التي تكشف عن أبعاد جديدة للضربة الإسرائيلية الأخيرة الخميس الماضي، والتي استهدفت اجتماعاً وزارياً لمليشيا الحوثي في صنعاء، إذ وجّهت أطراف سياسية يمنية أصابع الاتهام إلى قيادة الجماعة بالزجّ بأعضاء حكومتها غير المنتمين إلى دائرتها العقائدية، في وقت كان التحذير الإسرائيلي من الرد العسكري على إطلاق الصواريخ لا يزال قائماً.
وبحسب مصادر سياسية في صنعاء، فإن رئيس حكومة الحوثيين الغير معترف بها أحمد الرهوي وثمانية من وزرائه لقوا مصرعهم خلال الضربة، فيما أُبقي على آخرين تحت مراقبة طبية مشددة.
اللافت وفق هذه المصادر أن جميع الضحايا لا ينتمون إلى الدائرة الصلبة للجماعة ولا إلى بنيتها الفكرية والأمنية، بل إن أغلبهم محسوبون على تيارات سياسية مختلفة أو تم استقطابهم لأغراض شكلية.
تغييب القيادات الوازنة
المتابعون للشأن اليمني رصدوا أن أبرز وزراء الجماعة تغيبوا عن الاجتماع، وفي مقدمتهم نائب رئيس الحكومة محمد مفتاح المعروف بأنه صاحب الكلمة الفصل في قراراتها إلى جانب وزير الداخلية عبدالكريم الحوثي (عم زعيم الجماعة)، ووزير الدفاع محمد العاطفي، ووزير المالية عبدالجبار الجرموزي. وقد أرسل وزير الداخلية نائبه عبدالمجيد المرتضى الذي كان بين القتلى
ويعتقد محللون يمنيون أن عبد الملك الحوثي يتعامل مع هؤلاء المسؤولين كـ«أدوات قابلة للاستبدال»، وأنه سيستثمر مقتلهم للمزايدة على الصعيد الداخلي والدعاية السياسية أمام أنصاره.
استهتار أمني ومخاطر محسوبة
سياسيون وناشطون في صنعاء اعتبروا ما حدث انعكاساً لاستهتار الحوثيين بأمن وزرائهم، إذ دُعوا لاجتماع موسع رغم استمرار إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، ورغم التهديدات المعلنة من تل أبيب بالرد القوي. ويرى هؤلاء أن اختيار الضحايا لم يكن عشوائياً، بل شكّل فرصة للجماعة للتخلص من شخصيات لا وزن عسكرياً أو أمنياً لها.
وذهب بعض المراقبين إلى القول إن الجماعة قدّمت لإسرائيل «كبش فداء» من المسؤولين الهامشيين، ما يخفف الضغوط على القيادة الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته يمنح الحوثيين ذريعة للاستمرار في التصعيد بدعوى «التضامن مع فلسطين» وتحقيق أجندات إيرانية أوسع.
قراءة سياسية
الباحث اليمني في شؤون الجماعة عدنان الجبرني أوضح في تصريح للشرق الاوسط أن حكومة الحوثيين استغرق تشكيلها أكثر من عام، وأن كثيراً من وزرائها تم استقطابهم من خارج البنية الحوثية الصلبة، بعضهم وُصفوا بـ«المؤلفة قلوبهم»، وآخرون تم اختيارهم لضعفهم السياسي، ومنهم أحمد الرهوي الذي ترأس الحكومة. وأضاف أن ما جرى يؤكد هشاشة هذه التركيبة، وأن الولاء الحقيقي للجماعة لا يتجاوز الدائرة الضيقة المحيطة بعبد الملك الحوثي.
حملة أمنية مشددة
عقب الضربة، سارعت الجماعة إلى فتح تحقيق داخلي وشنّت حملة اعتقالات طالت موظفين في رئاسة الوزراء ومؤسسات حكومية أخرى. بما فيهم اقتحام منزل الرهوي رئيس وزراء الحوثي واختطاف ابناءه، كما وزّع جهاز المخابرات الحوثي تعميمات أمنية على السكان تضمنت سلسلة تحذيرات مشددة، بينها، عدم تداول الأخبار دون التأكد من مصادرها.
وعدم نشر صور أو معلومات عن أماكن الاستهداف وتحركات القوات الحوثية، وتجنّب المزاح أو التهويل الذي قد يثير الذعر بين الناس، والحذر من «الفضول وكثرة الأسئلة» باعتبارها مدخلاً «للعدو».
دلالات المشهد
يرى مراقبون أن الإجراءات الأمنية المشددة لم تُفرض لحماية المسؤولين من «الصف الثاني»، بل خُصصت أساساً لحماية القيادات ذات الصلة العائلية والقبلية المباشرة بعبد الملك الحوثي، وكبار القادة العسكريين والأمنيين، في حين تُرك الوزراء الآخرون عرضة للخطر.
ويخلص هؤلاء إلى أن ما جرى يعكس بوضوح أن الجماعة لا تتردد في التضحية بحلفائها وأعضائها غير العقائديين متى ما اقتضت مصلحتها، وأن الضربة الأخيرة كشفت هشاشة البنية الداخلية لحكومتها وأولوياتها القائمة على البقاء وحماية الحلقة الضيقة من العائلة والموالين المخلصين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news