القَمْل الطائر، والكَتَن الزاحف، والكَنَم المستوطن في أدغال الرأس
بعد أن أنهى الملك السعيد نهاره، الذي قضى جلَّ وقته متفكّرًا في المال الذي جمعه وعدَّه، وفي المآل الذي سيؤول إليه حين تمتصّ الحشرات الثلاث دماء البلاد والعباد، داهمه فجأة شعور بالقلق، فصرخ بصوتٍ اهتزّت من غيظه أركان القصر:
«إليَّ بشهرزاد!»
وكلمح البصر – أو أقرب منه –
كانت شهرزاد تجلس على عرش حكايتها الثالثة بعد الألف…
قالت: «بلغني، يا مولاي، أن المدينة التي كانت حالمة بالأمس، صارت اليوم موردًا لجبايات شتّى، ومرعىً لحشرات: (القَمْل الطائر، والكَتَن الزاحف، والكَنَم المستوطن في أدغال الرأس).
ثَمَّة أمرٌ ما، يا مولاي…
في الصبح الباكر من هذا اليوم، هطل الغيث بهدوءٍ نسبي على الحالمة الصَّحْوَى، والظامئة حدَّ الإعياء، فانطلقت السيول من المنحدر الجبلي، وجرفت كلَّ ما اعترض طريقها، ولم تُبقِ في مجراها أثرًا، وكأنها كانت تبشِّر بوميض الآتي بما لا يُحمد عقباه على الحاكم.
الشيء المخجل والمؤسف، يا مولاي، أن المدينة التي كانت حالمة فكرًا وفنًّا وقصائدَ غناء، ومآذنَ تسبّح في علياء الفجر، صارت للحشرات نقاطًا ومحاورَ وقطاعاتٍ ودوائر، وأسواقَ مزادٍ ومعاملَ، تتوالى أفواجًا ومواكب، تتمدّد طولًا، وتتّسع عرضًا، وتتراكم حجمًا فوق حجم.
أمّا الحاكم، يا مولاي، فلا يُدرك ذاته، ولا يتأمّل آيات العصر، في خُسر الإنسان…
وأمّا القادم، يا مولاي…»
وهنا أدرك الصباحُ الضياءَ، فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news