العربي نيوز:
كشفت الناشطة السياسية والحقوقية اليمنية، الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل عبدالسلام كرمان، لأول مرة، المستور من خفايا ثورة الشباب الشعبية السلمية (11 فبراير)، وخيانة دولتين عظموتين للثورة، وغدر ثلاث دول اقليمية بها، وما ينبغي اليوم لليمنيين كافة، في مواجهة التحديات الراهنة.
جاء هذا في حوار اجري مع توكل كرمان في أكبر مهرجان سياسي وديمقراطي في النرويج عن "الربيع العربي"، أكدت فيه أن ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن كانت سلمية ونجحت في ان تظل سلمية رغم وحشية الديكتاتور علي عفاش، ورغم انتشار السلاح أجبرناه على الرحيل بلا عنف".
مضيفة: "استطاع الربيع العربي اسقاط سبعة طغاة في اليمن ومصر وتونس وليبيا والسودان والجزائر وغيرها، خلال 15 عاما فقط، لكن واجهتنا ثورة مضادة تقودها إيران والسعودية والإمارات". وأردفت: "نحن لم نفشل، بل نواجه ثورة مضادة وتواطؤًا دوليًا، وتحقق الاهداف يحتاج وقتًا كما حدث في أوروبا".
وتابعت: "ما تسمعونه الآن هو أن هناك فوضى في الدول العربية، ميليشيات، حروب أهلية، انقلابات عسكرية، إرهاب. نعم، هناك فوضى، لكن ما يجب أن تعرفوه هو أنه إذا قرأتم التاريخ، فستجدون أن بعد كل ثورة عظيمة ثورة مضادة. لا تتوقعوا أن أي ثورة ضد الطغاة، سيخلق الناس الديمقراطية والسلام في آن واحد".
مردفة: "هذا مستحيل. عندما تقرأون التاريخ الأوروبي، سترون أن الأمر استغرق عقودًا لتحقيق الديمقراطية والحرية. فلماذا نلوم الشعوب العربية بعد خمسة عشر عامًا فقط؟. تمكنا من إسقاط سبعة طغاة، خلال خمسة عشر عامًا فقط، سبعة طغاة حكموا بلادنا بالدم والخوف والفساد والظلم لعقود".
لكن توكل كرمان كشفت عن خيانة دول كبرى لثورات الربيع العربي وغدر دول اقليمية، وقالت: "لقد تمكنّا من إسقاطهم في اليمن ومصر والسودان والجزائر وتونس وسوريا وغيرها. كانت تلك الخطوة الأولى للثورة. أما الخطوة الثانية فهي أننا نواجه الآن ثورة مضادة بشعة. يجب أن تعلموا هذا".
مضيفة: "نحن نواجه ثورة مضادة بشعة بقيادة السعودية والإمارات وإيران". وأردفت: "هذه الدول الثلاث لا تريد الديمقراطية ولا الحرية في المنطقة العربية. إنها تخشى الديمقراطية لأنها لا تريدها في بلدانها. أمر آخر، ذكرته للتو وتجاوزته سريعًا، هو خيانة المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية".
وتابعت: "يدّعون دعمهم للديمقراطية، لكنهم لا يفعلون. لقد تحالفوا مع مستبدين من قبل، ومع ديكتاتوريين أعداء للثورة بعد ذلك. يعتقدون أن مصالحهم تتحقق معهم. يعتقدون أن شعبنا لا يستحق الديمقراطية، وأننا لا نستطيع قيادة أنفسنا، وأننا يجب أن نخضع لحكم الطغاة لضمان المصالح الغربية".
كاشفة لأول مرة خيانة دول كبرى للربيع العربي، بقولها: "أنا لا أتحدث عن دول مثل النرويج، بل عن الولايات المتحدة الامريكية، على سبيل المثال، وبريطانيا. لقد خانوا الربيع العربي، وخانوا مبادئهم الديمقراطية وحقوق الإنسان. لذا، ما نحاربه الآن ليس مجرد ثورة مضادة، بل أيضًا تواطؤ المجتمع الدولي".
وتابعت: "لن أذكر روسيا والصين - فهما أنظمة استبدادية أصلاً ولا تخفي دعمها للمستبدين. أتحدث عن دول ادعت أنها تدافع عن الديمقراطية، بينما في الواقع ساندت الانقلاب العسكري في مصر، والتزمت الصمت بشأن الحرب الأهلية في السودان، ودعمت ميليشيات الإمارات، والقصة هنا تطول".
مع ذلك، خاطبت توكل كرمان الشباب في اليمن والدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي والتي في طريقها اليه، بقولها: "لكنكم، أيها الشباب، يجب أن تعرفوا الحقيقة: هناك أناس في بلادنا يقاتلون ويضحون من أجل الحرية والديمقراطية والسلام والازدهار وسيادة القانون. لم يستسلموا ولن يستسلموا".
مضيفة: "عليكم أن تختاروا - إما الوقوف معهم، مع صوت الحق والضمير والإنسانية، أو الصمت. وسوف يواصلون نضالهم حتى ينالوا الحرية والديمقراطية. أما كيف يمكنكم دعمهم؟ فيمكنكم ذلك بمحاسبة حكوماتكم، ليس فقط في النرويج، بل في كل مكان. يجب على حكوماتكم أن تتوقف عن التحالف مع المستبدين".
وتابعت مخاطبة الدول الغربية: "وأن تتوقف عن بيعهم الأسلحة، وأن تتوقف عن منحهم الشرعية، وأن تتوقف عن الاستيلاء على أموالهم، وتجميد أصولهم. أهم شيء بالنسبة لكم، كشباب، هو محاسبة حكوماتكم كلما شكلت تحالفات مع الطغاة، ليس فقط في المنطقة العربية، بل في أي مكان في العالم. هذا هو دوركم".
بالمقابل، أكدت توكل كرمان حتمية انتصار ثورات الربيع العربي، وتجاوز الفوضى الراهنة. وقالت: "نعم، هناك فوضى. لكن من خلق الفوضى؟ نحن، الشعب، صنعنا الثورة سلميًا. خلال الفترة الانتقالية، قدمنا الدليل على كيفية حماية حقوق الإنسان والديمقراطية. إن قادة الثورة المضادة وتواطؤ المجتمع الدولي هم من صنعوا الفوضى".
مضيفة: "لكننا لم نستسلم، ولن نستسلم. هذا هو ثمن الحرية - إنه باهظ الثمن. ونحن نسير على هذا الطريق. أعدكم أننا سننتصر". وأردفت: "رغم كل شيء، ورغم الخيانة الدولية، نهض الشعب وحقق انتصارات مهمة. إنهم يواصلون بناء بلدهم. نعم، هناك أخطاء. لكن الأخطاء ليست سببًا لإيقاف الثورات أو إلقاء اللوم على الشعب".
وتابعت: "في عام 2019، نهض الشعب السوداني مجددًا، ونهض الجزائريون مجددًا. وقبل أسابيع فقط توجت الثورة السورية انتصارها بسقوط اعتى نظام مستبد نظام الابادة والكيماوي والبراميل المتفجرة. الثورة مستمرة. وستستمر في العالم العربي حتى يرحل كل ديكتاتور وتحصل شعوبنا على الحرية والديمقراطية. أعدكم - سترونها تحدث".
مشيرة إلى أنه "رغم كل العقبات، ما زلتُ أعمل. أعارض الميليشيات المدعومة من إيران. أعارض السعودية والإمارات، وكل ديكتاتور، من السيسي في مصر إلى غيره بأرجاء المنطقة. ورغم قوتهم، ما زلت هنا، أعمل. من خلال مؤسستي، التي أنشأتها بعد جائزة نوبل، بنينا أكثر من 40 مدرسة في اليمن، واعادنا تأهيل اكثر من 20 مستشفى".
وسائل التواصل
على صعيد اخر، أبدت توكل كرمان، قلقها من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت: "قلقي لا يقتصر على التكنولوجيا نفسها؛ بل يشمل أيضًا العلاقة بين الأنظمة الاستبدادية وهذه المنصات. بدلاً من حماية خصوصية الأفراد وتضخيم أصواتهم، تتيح العديد من هذه الشركات للحكومات وبشكل متزايد إمكانية تشديد المراقبة وتقييد الحريات".
مضيفة: "للأسف، لم تعد شركات التكنولوجيا الكبرى تُعطي الأولوية لأصوات الناس العاديين. أصبحت سياساتها الآن أكثر تركيزًا على إرضاء الحكومات من حماية الحقوق. هذا أحد أكبر التحديات التي نواجهها اليوم. بصفتي عضوًا في مجلس الرقابة في ميتا، رأيتُ بنفسي مدى صعوبة محاسبة هذه المنصات، ومع ذلك فهي لا تزال معركة حاسمة".
وتابعت: "يجب ألا نتخلى عن هذه الأدوات. السؤال، وخاصةً بالنسبة للشباب، هو: هل ستخافون، أم ستجدون طرقًا لاستخدامها في الخير؟ يجب أن نُعلّم أنفسنا كيفية التهرب من المراقبة، وحماية خصوصيتنا، والبقاء متشككين بشأن المعلومات المضللة والتضليل الاعلامي. في الوقت نفسه، يجب أن نستخدم هذه المنصات لتمكين أصواتنا، ودعم الآخرين، والدعوة إلى الحرية".
مؤكدة أن "وسائل التواصل الاجتماعي هي أداتنا - يمكن أن تكون قوية كالأسلحة النووية إذا استُخدمت بحكمة". وقالت: "لا يمكننا الهروب من التكنولوجيا، ولا يمكننا الاكتفاء بانتقادها. علينا تنظيم استخدامنا لها، وتحويلها إلى منصة للتغيير، وجعلها "ساحة حريتنا" الجديدة. خلال الربيع العربي، كانت وسائل التواصل الاجتماعي شريان حياتنا: استخدمناها للتعبئة".
وتابعت: "وتنظيم الاجتماعات، ودعوة الناس إلى الشوارع. أما اليوم، فقد تعلمت الأنظمة الاستبدادية التلاعب بهذه الأدوات من خلال نشر حسابات مزيفة، ومعلومات مضللة، وحملات إلكترونية منسقة لإسكات المعارضة. لكن العبرة تبقى: كما لم نستسلم في الشوارع، لا يمكننا الاستسلام على الإنترنت. يجب على الشباب، إتقان هذه الأدوات واستخدامها بمسؤولية".
كرمان أكدت اهمية وسائل التواصل، الان، بقولها: يجب تحويلها إلى أسلحة للعدالة والحرية والكرامة في كل مكان. بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت القضية الفلسطينية واضحة للناس حول العالم، وبفضل ضغط أشخاص مثلكم. الأمر لا يقتصر على جهود الناس الذين يكافحون الاستبداد والديكتاتورية والاحتلال، بل يشمل أيضًا جهود من يستمع إليهم".
مضيفة: "من خلال منشورات تيك توك وإنستغرام، حوّل شباب مثلكم، ممن يصغون بصدق لصوت الإنسانية ويدعمونه، هذه القضية إلى قضية عالمية. بفضل أصواتكم على وسائل التواصل الاجتماعي، أجبرتم حكومات على الاعتراف بما يحدث. لدينا الآن أصوات حول العالم، كثير منها ليسوا بمسلمين، لكنهم رأوا ما يحدث في فلسطين وقالوا: هذه إبادة جماعية".
وتابعت: "أشخاص مثلكم يطالبون بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. ولهذا السبب، تناقش العديد من الحكومات الآن علنًا الاعتراف بدولة فلسطينية. هذا هو ثمرة جهودكم. لهذا السبب أشجعكم أيها الشباب على أن تكونوا قادة في كل مجال - التعليم، الصحة، أي مجال. استخدموا هذه المنصات لإيصال صوتكم، ولتمكين أنفسكم، ولتمكين من حولكم وحول العالم".
مختتمة بقولها: "أمر اخر، تعلّموا عن الذكاء الاصطناعي. هذا مستقبلنا، وعليكم فهمه، فأنتم القادة. إن لم تُعدّوا أنفسكم لتكونوا قادة بلدكم، أو حزبكم، أو حتى العالم، فسينهار العالم. إن أعددتم أنفسكم، يُمكنكم إنقاذ البشرية. تذكروا هذا: لا ترضخوا للضغوط يا شباب. لا ترضخوا. لا تدعوا أحدًا يتصرّف نيابةً عنكم. عليكم أن تكونوا القادة وتقفوا في الصفوف الأمامية".
واجب فلسطين
وتحدثت توكل كرمان في الحوار، عن تصعيد الكيان الاسرائيلي عدوانه وحصاره المتواصلين على قطاع غزة في فلسطين، فقالت: "هنا أود أن أتوجه بتحية كبيرة للشعب الفلسطيني، الذي يعاني أشد المعاناة من الاحتلال البشع والإبادة الجماعية. هذا الشعب يسعى بصدق إلى الحرية والعدالة. جميعنا في المنطقة العربية نتطلع إلى اللحظة التي سننعم فيها بالحرية".
مضيفة: "أودُّ أن أشكر النرويج على موقفها الحاسم في دعم الشعوب حول العالم الذين يسعون إلى الحرية والعدالة والتعاطف. اعتراف النرويج بفلسطين أمرٌ بالغ الأهمية يجب أن نقدّره". وأردفت مخاطبة شباب النرويج: "عليكم حمل هذه الرسالة لتحسين عالمنا، وتعزيز السلام، وأن تكونوا قادةً في بلدكم. شاركوا في الانتخابات، وانضموا إلى المنظمات، وكونوا صوتًا للمظلومين".
وتابعت توكل كرمان في حديثها الى شباب النرويج بوجه خاص، والدول الاوروبية والغربية عامة، بقولها: "لا تنخدعوا بالأخبار الكاذبة التي تُقوّض الإنسانية وأحلام الناس الساعين إلى الحرية والعدالة. للأسف، غالبًا ما يُصوَّر أولئك الذين يسعون إلى تحقيق هذه المُثل العليا إما على أنهم أغرار أو يُوصَفون بالإرهاب، وهو أمرٌ ظالم. في اشارة الى الاعلام الاسرائيلي والامريكي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news