الاعتقالات المتكررة للصحفيين في مناطق السلطة الشرعية .. الأسباب والدلالات
قبل 1 دقيقة
شهدت بعض المحافظات المحررة من سيطرة المليشيات الحوثية، في الآونة الأخيرة، سلسلة من الحوادث التي وضعت الصحفيين في مواجهة مباشرة مع السلطات المحلية والأجهزة الأمنية. فقد تكررت حالات اعتقال الصحفيين، واقتحام منازلهم، ومصادرة هواتفهم وأجهزتهم المحمولة، وصولًا إلى إحالة بعضهم إلى النيابة. وهذه الحوادث المتكررة تثير تساؤلات ملحة حول أسبابها الحقيقية، وسبب تجددها بين فترة وأخرى
.
من الواضح أن هذه الممارسات لا تشمل جميع الصحفيين على قدم المساواة، إذ غالبًا ما يكون المستهدفون هم الصحفيون المستقلون الذين لا يخضعون لسلطة تيار سياسي بعينه، ولا ينسجمون مع توجهات القوى المسيطرة على المحافظة. هؤلاء ينظر إليهم كأشخاص مزعجين أو غير منضبطين، خصوصًا حين ينتقدون أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية أو يسلطون الضوء على تجاوزات بعض القيادات النافذة. في المقابل، قلما يتعرض الصحفيون الذين يصطفون إلى جانب السلطة المحلية أو القوى السياسية المسيطرة لأي مضايقات أو اعتقالات.
لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن طبيعة المشهد السياسي في المحافظات المحررة، فالصحفي الذي يصنف – حتى دون انتماء صريح – كقريب من طرف سياسي منافس، يُنظر إليه سريعًا على أنه خصم، ومن ثم يصبح عرضة للاستهداف، وكأن عمله الصحفي امتداد لصراع النفوذ القائم. بهذا تتحول الصحافة المستقلة إلى الضحية الأبرز للتجاذب السياسي.
البعد الأمني والعسكري حاضر أيضًا في هذه الظاهرة؛ فبعض المحافظات تعيش أوضاعًا حساسة تجعل السلطات أكثر توجسًا من أي صوت ناقد، إلى درجة التعامل مع النقد وكأنه تهديد أمني مباشر أو عمل تخريبي. كما أن كثيرًا من القيادات الأمنية والعسكرية الحالية صعدت إلى مواقعها في ظروف الحرب ضد الحوثيين، دون امتلاك خبرة مهنية كافية في إدارة العلاقة مع المجتمع المدني أو الصحافة. هذا الصعود المفاجئ والمسنود سياسيًا انعكس في ممارسات متسرعة وغير احترافية تجاه الصحفيين.
من الطبيعي أن تسعى أي سلطة محلية أو جهاز أمني للحفاظ على الأمن والاستقرار، ومراقبة الأنشطة التي قد تهدد السلم العام، لكن الخطأ يكمن في وضع جميع الأصوات الناقدة في خانة الخصومة أو التآمر. فهذا الخلط يفاقم حالة الاحتقان، ويشوه صورة السلطات محليًا وخارجيًا، بل ويُفقدها رصيدها من الشرعية الشعبية.
إن أبرز العوامل التي تؤدي إلى تكرار الاعتقالات والانتهاكات ضد الصحفيين في مناطق السلطة الشرعية هي: غياب الحياد داخل بعض الأجهزة الأمنية، وضعف الخبرة لدى القيادات الطارئة، والنظرة المسبقة لكل صوت مستقل على أنه خصم سياسي. ومن ثم، فإن مواجهة هذه الإشكالية تتطلب نشر ثقافة احترام حرية الصحافة، وبناء جسور تواصل شفافة بين الصحفيين والأجهزة الأمنية، بحيث يتحقق الأمن دون التضييق على الحق في النقد والرقابة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news