حافظوا على ما تبقى من أبناء اليمن
قبل 1 دقيقة
قال الله عز وجل في محكم التنزيل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (البقرة:208). صدق الله العظيم
.
كيف نُطبق قوله تعالى: ادخلوا في السِّلم كافة في حياتنا اليومية؟
قيل: المراد هو الالتزام بجميع شرائع الإسلام، وإقامة أحكامه وحدوده دون انتقاء أو تضييع. فكلمة كافة وصفٌ للسِّلم، أي الدخول في جميع معانيه كاملةً غير منقوصة، وهذا موجَّه إلى أهل الإيمان بمحمد ﷺ وما جاء به من هدى ونور.
وانطلاقًا من هذه الآية الكريمة، أتوجه من خلال هذا المقال بدعوة صادقة إلى حكماء وعلماء اليمن، ومشائخ القبائل، والقوى المتصارعة، وكافة الأحزاب والتنظيمات السياسية، أن يعودوا إلى كتاب الله عز وجل، وأن يجعلوه الحكم بينهم لإيجاد حلول لكل الخلافات إذا أرادوا أن ينجوا باليمن وأبنائه من هذه الصراعات المدمرة.
كما أوجّه دعوة خاصة إلى الدول الرباعية المتحكمة بملف اليمن، والتي فُوِّضت بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216 الصادر في 14 إبريل 2015 (S/RES/2216(2015)) لإدارة الملف اليمني بعد ما شهده البلد من أزمات وحروب منذ عام 2011م وحتى اليوم.
لكن القرار الأممي وما تلاه من تدخلات لم يأتِ من فراغ، بل بطلب من أحد المكونات السياسية آنذاك بحضور المبعوث الأممي جمال بن عمر، حيث رفع الرئيس عبدربه منصور هادي خطابًا رسميًا لمجلس الأمن طالب فيه بوضع اليمن تحت البند السابع، فكانت النتيجة ما نراه اليوم من أزمات، وحروب، وتشريد، ونزوح لملايين اليمنيين، خاصة إلى محافظة مأرب التي تحملت العبء الأكبر في استقبال النازحين.
ثم جاء قرار تشكيل التحالف العربي ، وكان الأولى بهم – بحكم الجوار والدين والأخوة – أن يختاروا طريق الحكمة والإصلاح، امتثالًا لقوله تعالى:
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات:9).
واليوم، وبعد سنوات من النزاع، نرى تحركات سياسية عربية ودولية، بعضها مدعوم أمريكيًا وأوروبيًا، تركّز على دعم طرف ضد آخر، تحت شعارات "إصلاحات اقتصادية" و"دعم العملة" و"إعادة الاستقرار". لكن في جوهر الأمر، يبقى اليمنيون هم الضحية: ينقسمون بين "شرعية" و"حوثية"، ويتقاتلون فيما بينهم تحت مسميات دخيلة: حوثي، رافضي، مجوسي، عميل، مرتزق، داعشي، وكلها أوصاف غذّتها أطراف خارجية ومنظمات معادية لبث الفتنة بين اليمنيين شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا.
لذلك، فإن الواجب على دول التحالف العربي أن يعيدوا النظر في سياساتهم السابقة، وأن يعملوا على تصحيح أخطائهم بجمع جميع الأطراف والمكونات السياسية اليمنية على طاولة حوار واحدة، برئاسة هيئة تضم علماء الدين والفقهاء والحكماء والمستشارين السياسيين من اليمن والدول العربية، لوضع حل عادل وشامل يعيد لليمن أمنه واستقراره.
لقد أحرقت هذه الحرب الحرث والنسل، وأكلت الأخضر واليابس، وما زالت تحصد أرواح اليمنيين يومًا بعد يوم. بينما كبار المسؤولين والقادة يعيشون في رغد بعيدًا عن الجبهات، يبقى الشعب وحده هو من يدفع الثمن.
أتمنى من الله أن يصل صوت هذا المقال إلى كل أبناء الشعب اليمني، إلى مشائخ القبائل، إلى قادة المكونات السياسية، وأن يضغطوا على قياداتهم لإيقاف نزيف الدم، والجلوس على طاولة الحوار تحت مظلة الدين والعدل، ليقولوا جميعًا: إلى هنا وكفى.
حافظوا على ما تبقى من أبناء اليمن، ليعيش هذا الشعب حياة كريمة آمنة مستقرة، متحابًا كإخوة يجمعهم الإسلام، محكومين بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
والله من وراء القصد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news