اليمن .. دولة تُدار كغنيمة وغاز المسيلة شاهد على المزاد
في بلدٍ تتآكل فيه مؤسسات الدولة، لم يعد القرار السياسي يُدار من قاعات الحكم، بل من غرف الصفقات المغلقة. البرلماني علي عشال كسر صمتًا رسميًا طال أمده، حين اتهم الحكومة اليمنية ببيع موارد البلاد عبر اتفاقيات مشبوهة، آخرها منح امتياز إنشاء وحدة الغاز المنزلي في حضرموت لشركة البسيري في فبراير 2023، في مخالفة صريحة للدستور وبشروط أقرب إلى النهب المنظم.
ولم تكتفِ الحكومة بذلك، بل عادت بعد أكثر من عام لتوقّع نفس العقد تقريبًا، وبنفس المشروع والموقع، مع اختلاف طفيف في الصياغة، في سبتمبر 2024.
هذا المشهد ليس مجرد تكرار إداري، بل نموذج صارخ لتضارب إدارة العقود في الدولة؛ حيث يبدو أن ملفًا استراتيجيًا يُدار بأسلوب "انسخ والصق"، وكأن الموارد الوطنية لعبة ورق بيد قلة من المتحكمين، لا التزام فيه بقوانين ولا خطط ولا ذاكرة مؤسسية.
عشال وضع أربع علامات فارقة تميز العقد السليم عن الفاسد: دراسة جدوى، منافسة شفافة، عروض متنافسين، ومصادقة برلمانية مع إعلان التفاصيل للرأي العام. لكن في ملف الغاز، لم يتحقق أي شرط منها. النتيجة: مشروع استراتيجي يتحول إلى صفقة تُدار كـ"دكان عائلي"، حيث صاحب المتجر هو المشرّع والمحاسب والمشتري في الوقت نفسه.
هكذا، تُدار موارد البلد كما تُدار غنائم اللصوص بعد الغارة، بينما المجالس التشريعية نائمة، والمكونات السياسية غائبة، والشعب يكتفي بالمشاهدة على خزان وطنه وهو يُستنزف قطرة قطرة.
تقرير فني وقانوني حول مشروع إنشاء وحدة الغاز المنزلي في حوض المسيلة
أشار رياض الأكوع في التقرير الفني إلى أن المشهد السياسي المظلم يوازيه ملف فني وقانوني مليء بالإخفاقات، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. غياب الوثائق والمناقصات: لم تُنجز وزارة النفط وثائق الدعوة للمناقصة العامة (ITB) وفق قانون المناقصات والمزايدات رقم 23 لعام 2007، ما يفتح الباب للتعاقدات المباشرة دون شفافية.
2. انعدام الدراسات والتصاميم: لا توجد دراسة جدوى اقتصادية أولية (Concept Study) ولا تصاميم هندسية لمصنع إنتاج الغاز (FEEP)، ولم يُقيَّم المشروع على أساس البناء والتملك والتشغيل والتحويل (BOOT).
3. نزاع التحكيم الدولي: شركة ميد غاز شرعت في 29 مايو 2023 في إجراءات تحكيم دولي ضد الحكومة اليمنية، استنادًا إلى اتفاقيات وقرار جمهوري (26 لعام 2004) صادق على شراكة معها.
4. ثغرات قانونية ودستورية: قرار مجلس الوزراء رقم 7 لعام 2023 منح ترخيصًا لشركة باسكو إنرجي الإماراتية، رغم احتواء الاتفاقية على ثغرات في الجوانب التصميمية والتمويلية والتشغيلية.
النتائج والتوصيات
النتائج: تأخير التنفيذ، مخاطر تعويضات دولية، تهديد المشروع بالنزاعات المحلية والدولية.
التوصيات: الإسراع في إعداد الدراسات، تشكيل لجنة للتفاوض مع ميد غاز، مراجعة القرارات لضمان مطابقتها للقوانين، والالتزام بالمنافسة والشفافية في منح العقود.
الخلاصة
ما بين صفقة سياسية فاسدة وإخفاقات فنية وقانونية، يتحول مشروع الغاز في حوض المسيلة من فرصة اقتصادية وطنية إلى ملف يختزل كيف تُدار الدولة في اليمن: غياب التخطيط، تغييب القانون، وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news