*أكاديمي ومحلل سياسي يمني
تُشير تطورات داخلية متسارعة في طهران إلى تحرك محتمل لإحداث تغيير نوعي في أحد المفاصل الحساسة للدولة الإيرانية، عبر الاعلان من وكالات ايرانية عن تعيين علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفًا للجنرال علي أكبر أحمديان المحسوب على الحرس الثوري. وهذا التوجه لا يعكس مجرد تعديل إداري، بل يدل على محاولة إعادة هندسة التفكير الأمني في النظام الإيراني، في ضوء تصاعد الضربات الخارجية وتزايد التحديات الداخلية والإقليمية.
لفهم خلفيات هذا التحول، لا بد من الوقوف أمام التركيبة المعقدة للنظام الإيراني، فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، اعتمد النظام على صيغة "الولاية المطلقة للفقيه"، حيث يتركز القرار السيادي في يد المرشد الأعلى (حاليًا علي خامنئي)، ويمتد نفوذه إلى التوجيه العسكري، وتعيين قادة الأجهزة الأمنية، ومفاصل القضاء، والسياسة الخارجية، مع إشراف فعلي على الحرس الثوري والاستخبارات والمجلس الأعلى للأمن القومي. ورغم وجود مؤسسات منتخبة كالرئاسة والبرلمان، فإنها تخضع لوصاية هيئات غير منتخبة مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام (The Iran Primer, 2023).
في هذا السياق، يُعد المجلس الأعلى للأمن القومي أحد أبرز غرف العمليات الاستراتيجية للنظام، خصوصًا في ما يتعلق بالملف النووي، والسياسة الإقليمية، والتنسيق الأمني الداخلي. ويخضع المجلس فعليًا لمكتب المرشد، ولذلك فإن تعيين أمينه العام يعكس أولويات المرحلة.
في ضوء هذه التطورات، تصاعدت الخلافات بين أجنحة الدولة العميقة، لا سيما بين الحرس الثوري ووزارة الأمن (الاستخبارات المدنية)، وكذلك بين دعاة التصعيد العسكري من جهة، والتيار الذي يفضل التهدئة المرحلية وتخفيف العزلة الدولية. هذه التباينات تتزايد حدّتها مع تدهور الوضع الاقتصادي، وتصاعد الاحتجاجات الداخلية، خاصة خلال أعوام 2022 و2023 (Al Monitor, 2024).
وهنا تبرز مسألة محورية: مدى تأثير أي تغيير في القيادة العليا للنظام على سلوك المليشيات التابعة له في المنطقة. فالتجربة تشير إلى أن هذه الجماعات – سواء الحوثيون في اليمن، أو حزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق – لا تتحرك باستقلال تام، بل تخضع لتنسيق مشترك مع "فيلق القدس"، أحد أذرع الحرس الثوري المكلف بتوسيع النفوذ الإيراني خارجيًا. أي تغيّر في قيادة المجلس الأعلى للأمن القومي أو العقيدة الأمنية العليا في طهران، سينعكس بالضرورة على طبيعة التمويل، ومدى الإذن بالتصعيد أو التهدئة.
هذا التحول إن حدث، لن يكون انسحابًا، بل إعادة انتشار استراتيجية ضمن معادلة "الصبر الإيراني الطويل" التي تُبقي اليد على الزناد، لكن دون إطلاق النار إلا بحسابات دقيقة.
في النهاية، فإن أي تغيير في هذا المستوى لا يتم إلا بإذن مباشر من مكتب المرشد، مما يعني أن النظام يدرك خطورة اللحظة، ويبحث عن إعادة تموضع، لا عن مراجعة استراتيجية. وبالتالي، فإن تعيين لاريجاني إذا تم، سيحمل رسالة مزدوجة: إلى الخارج، بأن إيران تستجيب للضغوط بحذر؛ وإلى الداخل، بأن العقل الأمني بحاجة إلى تجديد في الأدوات لا في الأهداف.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل هذا التغيير استباق محسوب لمرحلة ما بعد خامنئي؟ أم أنه مجرد تعديل تكتيكي لتهدئة العاصفة قبل استئناف المواجهة؟
---
أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news