يثير انتباهي مسألة تتعلق بعداء غريزي لدى اليمني تجاه المؤسسة، كانت اقتصادية أو سياسية. وأنا هنا لا أتحدث عن البسطاء من الناس، وإنما عن من نعتبرهم نخبًا اجتماعية.
وشذا تساءلنا عما تبقى في اليمن من مؤسسات راسخة، ستكون مجموعة هائل سعيد أنعم من بين مؤسسات قليلة، بل إنها أبرز مؤسسة تجارية واقتصادية يمنية، وهي ومثيلاتها المنتسبة للطبقة التجارية التقليدية، اكتسبت تقاليد تجارية راسخة، بصرف النظر عن وجود مآخذ عليها من عدمها. وهذا لا يعني أنها معصومة ومنزهة عن النقد، والمحاسبة في حال إخلالها بالقوانين أو تلاعبها. لكن علينا أن نضع الأمور في نصابها؛ خصوصًا إزاء ما تتعرض له من حملات بلغت حدود التجني، منه العشوائي ومنه الممنهج.
وهناك تدخلت جوانب مناطقية، كما هو الحال عند منع دخول بضائع المجموعة في إحدى المحافظات، أو إغلاق فروعها في أخرى، بخلاف التحريض القائم على تلك الدوافع. وهذا جانب، لأن هناك كثيرين أخذتهم الحمية، وفقًا لتقديرهم الخاص، فما دام أن العملات الأجنبية تراجعت أمام الريال، فمن الضروري أن تتراجع الأسعار بنفس النسبة، وهذا صحيح في حال وجود ثقة بالإجراءات الحكومية وبالوضع الاقتصادي ككل.
أما الأكثر إثارة للتعجب، فهو الهجوم الممنهج من قبل تيار سياسي، وهذا التيار نلحظه آخذًا على عاتقه، في كل صغيرة وكبيرة، الهجوم على المجموعة، خصوصًا منذ كان المحافظ شوقي أحمد هائل. وبصراحة، هذا الأمر يثير استغرابي، خصوصًا وأن هذا الطرف كان يحظى بامتيازات لدى المجموعة، لكنهم بتحريض أحد قادتهم، رجل الأعمال والشيخ الذي كان يتمتع بنفوذ قبلي، مع أن ما حصل عليه هذا الطرف من دعم المجموعة أكثر بكثير مما قدمه ذلك النافذ والشيخ، لأن هذا الأخير لم تكن له أي مساهمة اجتماعية تُذكر، ولا يقدم دعمًا، بل إنه قدم فاتورة تصل إلى ملياري ريال، بذريعة أنه أنفقها في ساحات الثورة، وبالتالي تعويضه حين كانت المالية من نصيبهم. ولن أتحدث عن حجم التعويض بحجة الأضرار، لأنها كثيرة ومتعددة.
وهذا يحيلنا إلى مسألة واضحة تتعلق بالرغبة الممنهجة لتقويض مؤسسة راسخة ارتبط صعودها بثورة سبتمبر وفترة الجمهورية. ولا أقول إن الهدف إبادة مؤسسات ترتبط بذلك الزمن، إذ سأكون مجدفًا، لكن أقولها من حيث الرمزية التي تشكلت عليها مؤسسات الدولة اليمنية أو الجمهورية والتي تتعرض للتقويض.
لكن إذا عدنا للأمر، فإن بمقدوري تفهم مخاوف المجموعة، وتَأنيها في اتخاذ قرارات، مثلها مثل كثير من الشركات، في تخفيض الأسعار. إذ يتعلق الأمر بوجود عدم يقين أو شكوك حول ما إن كان ذلك هو السعر الحقيقي للريال في مناطق سيطرة الحكومة. وهل استقراره وعدم تراجع سعره، يعود إلى وجود آليات اقتصادية طويلة الأمد تضمن استقرار السوق، أو أنها استجابة لإجراءات فعاليتها مؤقتة، وليست مرتبطة بوضع اقتصادي كلي، أو ناتجة عن تعافٍ. والدليل أن الحكومة فرضت كثيرًا من القيود والإجراءات على شراء العملة الصعبة وتداولها. وهي إجراءات من شأنها وقف استنزاف العملة، لكنها قد لا تتطابق مع احتياجات السوق. هذا على صعيد احتياجات المواطنين العاديين، أما حول الواردات وما إلى ذلك، فهناك آليات تحدث عنها بيان للبنك المركزي، ولجنة ستقوم بذلك.
وبعيدًا عن الآراء الغوغائية، فإن الأمر يتطلب الثقة، ليس بالإجراءات، وإنما بوضع الاقتصاد ككل، في بلد توقفت صادراته النفطية والغازية، وقد يتعرض الوضع لانتكاسة عكسية. بمعنى أن الإجراءات المتخذة ليست كافية لاستقرار الريال، إذا لم تكن مكفولة بدعم اقتصادي من دول المنطقة الغنية، خصوصًا السعودية، وهذه والإمارات معنيتان بدعم الحكومة، مع استمرار الآليات الفعالة.
ما لم، فإن الوضع مهدد بارتداد كارثي ونكسة لن تقتصر على الشركات التجارية، بل على الاقتصاد ككل، بما في ذلك سيؤدي إلى عجز الشركات عن تمويل عملياتها التجارية، وصعوبة في الحصول على العملة الأجنبية. بمعنى أن هناك قواعد في الاقتصاد، وليست مجرد مجموعة قرارات. وبيان المجموعة الأول والثاني يُعبّر عن مخاوف حقيقية، وليس كما تظن الآراء الغوغائية استفزازًا، إنها مخاوف تتعلق باستقرار السوق، وعدم حدوث انتكاسة كارثية.
كما أن الشركات تعمل في وضع فيه كثير من المخاطر، وبدون وجود ضمانات أو حماية. في السعودية مثلًا، الحكومة تقوم بمسؤولياتها القانونية والمالية في حماية المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك القيام بإجراءات قانونية في حال تعرضت لاستهداف أو تشويه، لأن سقوطها سيكون له تبعات على الوضع الاقتصادي ككل. لهذا نفهم لماذا أمريكا، إذا تعرضت البنوك إلى خسائر، تُسارع إلى دعم المصارف، وتترك المواطنين، لأن سقوط المؤسسات سيكون له تبعات على الوضع الاقتصادي، دون إغفال أنها إجراءات تخلو من الإنسانية، إذ تتخلى عن المواطنين المديونين.
هناك مسألة أخرى، تتعلق بوجود طبقة تجار دخيلة نشأت خلال الحرب. وهذه ليست مرتبطة بأي تقاليد تجارية، وأيضًا مؤسساتها هلامية، كما أنها تنافس في وضع لصالحها، خصوصًا في حال وقعت أزمات. فالطبقة الدخيلة ليست لديها التزامات اجتماعية أو حتى اقتصادية، بما في ذلك الضرائب، ونفقاتها أقل بكثير من تلك المؤسسات الراسخة. كما أن تلك ليست في مرمى الضغط، ومتنصلة عن أي التزامات أخلاقية، كما أنها مرتبطة بأمراء الحرب.
إذن من المستفيد من كل هذا؟ ولماذا نرفع المعاول لهدم المؤسسات المتبقية؟ في وضع غير هذا، كان يمكن أن أكون أول المنتقدين لهم، لكن هناك مخاوف حقيقية لن تهدأ بدون مضامين اقتصادية أكثر رسوخًا. أما من يتحدث عن وجود تدخل أمريكي أو دعم، فأنا لا أثق بالولايات المتحدة، ولا أثق بالجهات المانحة، ما لم يكن هناك دعم فعلي ينم عن إرادة لحدوث تعافٍ في الاقتصاد اليمني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news