النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

     
يني يمن             عدد المشاهدات : 59 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

في الوقت الذي تراجعت فيه الأدوار التقليدية لبعض الفاعلين الإقليميين في اليمن، برزت سلطنة عمان بهدوء لافت، تقود مشروع نفوذ ناعم في شرق البلاد، يتمدد بثقة، ويعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي دون ضجيج، لكن بأثر بالغ. هذا الحضور المتصاعد لا يأتي ضمن حملة عسكرية، ولا عبر تحالفات صاخبة، بل عبر أدوات متدرجة تبني واقعًا جديدًا من تحت الركام.

الإفراج عن الشيخ محمد الزايدي مثلًا، لم يكن مجرد لفتة إنسانية كما روّجت بعض الأطراف. فسرعان ما تبين أن الإفراج كان جزءًا من حسابات أعمق، حين وصل الرجل إلى الجوف وردد الصرخة الحوثية جهارًا، في رسالة رمزية تحمل بصمة واضحة على أن عودته لم تكن عادية، وأن من هندسها أراد لها أن تكون خرقًا في جدار الخصوم، لا خطوة رحيمة عابرة.

بالتزامن، كانت حضرموت تشهد مسيرات غاضبة، شعاراتها لم تقتصر على المطالب الخدمية أو المعيشية، بل تجاوزت ذلك لتعلن خصومتها للجميع: الشرعية، والانتقالي، والتحالف. تلك الهتافات ليست مجرد تنفيس جماهيري عابر، بل انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الشعبي، وتغذية واعية من خطاب إعلامي محسوب، يتناغم مع سردية تنمو على هوامش الفراغ الإقليمي، وتغذّيها سلطنة عمان بسخاء عبر أدواتها الإعلامية وشبكات الولاء المجتمعية.

في هذا السياق، لا يبدو غريبًا أن يختتم رئيس تيار التغيير والتحرير حضوره الإعلامي عبر شاشة قناة المهرية، التي أصبحت واحدة من أبرز المنصات التي تروّج لصيغة مختلفة من الخطاب السياسي، تتماهى مع المصالح العُمانية، وتمنح الصوت لمن يتقاطعون مع مشروعها، سواء بوعي أو بدون.

كل هذا الحضور الإعلامي والمجتمعي لا يأتي من فراغ. فشرق اليمن بات اليوم ساحة شبه حصرية للنفوذ العماني، بعد أن فشلت الرياض في الحفاظ على أدواتها، وتعثرت المشاريع الخليجية الأخرى في تقديم نموذج قابل للاستمرار. هذا النفوذ لا يواجه مقاومة حقيقية، بل يجد طريقه مفروشًا بأزمات الخصوم وتصدعاتهم. بل إن بعض الأصوات تذهب إلى اعتبار أن مسقط تمارس دور "الوكيل الناعم" لطهران، تدير من خلاله مصالحها بأقل تكلفة وأعلى تأثير.

لكن الأرجح أن عمان تسير في مشروعها ضمن رؤية مستقلة، لا تقفز إلى الصدارة، بل تبني حضورها من القاع، مستفيدة من حالة التفكك وتراكم المظلومية في شرق البلاد، وتراجع الحضور السعودي الذي ظل لعقود يتعامل مع اليمن كملف أمني مجرد، لا كشريك له حيوية وسياق.

في نظر السعودية، ظل اليمن مجرد عنوان لمشكلة. من بؤرة للشيوعية في قلب الجزيرة المحافظة، إلى ساحة لمكافحة الإرهاب، وصولًا إلى مهدد للملاحة الدولية. النظرة التي اختزلت اليمن في كونه عبئًا أمنيًا منعت أي تفكير في بناء تحالف حقيقي أو مشروع جامع، ما فتح الباب أمام اللاعبين الآخرين لتقديم روايات بديلة وبناء نفوذ مستدام.

ليس جديدًا أن تتحول اليمن إلى ساحة للتنفيس الإقليمي. من قطر إلى الإمارات، من مصر إلى الاتحاد السوفيتي سابقًا، اعتادت الدول أن تفتح جبهة يمنية كلما أرادت تخفيف الضغط السعودي أو بعث رسائل غير مباشرة. وعمان ليست استثناءً، لكن الفارق أن مقاربتها أكثر برودًا وطول نَفَس، لا تبحث عن انتصار خاطف، بل عن موطئ قدم دائم.

وإذا ما استمرت حالة التآكل داخل الشرعية، وتفاقم الانقسام داخل الانتقالي، وعجزت الرياض عن تقديم نموذج بديل متماسك، فإن المشروع العُماني مرشح لأن يتحول من مجرد نفوذ إعلامي أو رمزي إلى واقع سياسي واجتماعي راسخ. ليس بالضرورة أن يظهر في شكل سلطة معلنة أو كيان رسمي، بل يكفي أن تترسخ شبكة علاقات محلية، ومنظومة خطاب، وموازين قوى تتغذى من خارج الحدود لكنها تفرض معادلات الداخل.

مع الوقت، قد يشهد شرق اليمن ولادة كيانات مرنة في ارتباطها بمسقط، لكنها فعالة في التأثير على مسار الأحداث، وربما تُطرح لاحقًا كمناطق تفاوض بديلة عن مركز الصراع في صنعاء أو عدن. لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا بقدرة سلطنة عمان على الحفاظ على توازنها الدقيق، وتجنّب التصادم المباشر مع اللاعبين الإقليميين، وبالدرجة الأولى السعودية، التي وإن بدت مرتبكة، ما تزال تملك مفاتيح قوة يصعب تجاهلها.

في المحصلة، لا تبني سلطنة عمان نفوذًا عابرًا في اليمن، بل تكتب سطرًا جديدًا في معادلات الخليج، بهدوء المترقّب، وبصبر من يعرف أن الفراغات لا تدوم، وأن من يملؤها أولًا يحدد شكل المستقبل.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تراجع صادم وكارثي في سعر الصرف مساء اليوم الأحد

صوت العاصمة | 886 قراءة 

اول تحرك لصنعاء بشان تحسن الصرف في عدن

كريتر سكاي | 764 قراءة 

محافظ البنك يحسم الأمر: الريال سيتعافى ويصل إلى هذا المستوى والأيام القادمة تحمل تباشير للمواطن

نافذة اليمن | 748 قراءة 

البنك المركزي يفجر 3 مفاجآت تقلب الطاولة.. ويُرغم الحوثي على الركوع وقبول تداول عملة الشرعية

نافذة اليمن | 583 قراءة 

قرار رسمي يطيح بمسؤول كبير من منصبه بسبب فضيحة مدوية

المرصد برس | 579 قراءة 

قنبلة البنك المركزي تهز الأسواق.. تعميم عاجل سيصدر إلى الصرافين خلال الساعات القادمة

نافذة اليمن | 534 قراءة 

خبير الاقتصاد اليمني ماجد الداعري يكشف عن مفاجئات جديدة للبنك المركزي بعدن

مراقبون برس | 455 قراءة 

تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الأحد بالعاصمة عدن

الأمناء نت | 401 قراءة 

ارتفاع مفاجئ بسعر الصرف(اخر تحديث)

كريتر سكاي | 374 قراءة 

شركة النفط في عدن تعلن تخفيض جديد في اسعار الوقود

المنتصف نت | 332 قراءة