النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

     
يني يمن             عدد المشاهدات : 106 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

في الوقت الذي تراجعت فيه الأدوار التقليدية لبعض الفاعلين الإقليميين في اليمن، برزت سلطنة عمان بهدوء لافت، تقود مشروع نفوذ ناعم في شرق البلاد، يتمدد بثقة، ويعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي دون ضجيج، لكن بأثر بالغ. هذا الحضور المتصاعد لا يأتي ضمن حملة عسكرية، ولا عبر تحالفات صاخبة، بل عبر أدوات متدرجة تبني واقعًا جديدًا من تحت الركام.

الإفراج عن الشيخ محمد الزايدي مثلًا، لم يكن مجرد لفتة إنسانية كما روّجت بعض الأطراف. فسرعان ما تبين أن الإفراج كان جزءًا من حسابات أعمق، حين وصل الرجل إلى الجوف وردد الصرخة الحوثية جهارًا، في رسالة رمزية تحمل بصمة واضحة على أن عودته لم تكن عادية، وأن من هندسها أراد لها أن تكون خرقًا في جدار الخصوم، لا خطوة رحيمة عابرة.

بالتزامن، كانت حضرموت تشهد مسيرات غاضبة، شعاراتها لم تقتصر على المطالب الخدمية أو المعيشية، بل تجاوزت ذلك لتعلن خصومتها للجميع: الشرعية، والانتقالي، والتحالف. تلك الهتافات ليست مجرد تنفيس جماهيري عابر، بل انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الشعبي، وتغذية واعية من خطاب إعلامي محسوب، يتناغم مع سردية تنمو على هوامش الفراغ الإقليمي، وتغذّيها سلطنة عمان بسخاء عبر أدواتها الإعلامية وشبكات الولاء المجتمعية.

في هذا السياق، لا يبدو غريبًا أن يختتم رئيس تيار التغيير والتحرير حضوره الإعلامي عبر شاشة قناة المهرية، التي أصبحت واحدة من أبرز المنصات التي تروّج لصيغة مختلفة من الخطاب السياسي، تتماهى مع المصالح العُمانية، وتمنح الصوت لمن يتقاطعون مع مشروعها، سواء بوعي أو بدون.

كل هذا الحضور الإعلامي والمجتمعي لا يأتي من فراغ. فشرق اليمن بات اليوم ساحة شبه حصرية للنفوذ العماني، بعد أن فشلت الرياض في الحفاظ على أدواتها، وتعثرت المشاريع الخليجية الأخرى في تقديم نموذج قابل للاستمرار. هذا النفوذ لا يواجه مقاومة حقيقية، بل يجد طريقه مفروشًا بأزمات الخصوم وتصدعاتهم. بل إن بعض الأصوات تذهب إلى اعتبار أن مسقط تمارس دور "الوكيل الناعم" لطهران، تدير من خلاله مصالحها بأقل تكلفة وأعلى تأثير.

لكن الأرجح أن عمان تسير في مشروعها ضمن رؤية مستقلة، لا تقفز إلى الصدارة، بل تبني حضورها من القاع، مستفيدة من حالة التفكك وتراكم المظلومية في شرق البلاد، وتراجع الحضور السعودي الذي ظل لعقود يتعامل مع اليمن كملف أمني مجرد، لا كشريك له حيوية وسياق.

في نظر السعودية، ظل اليمن مجرد عنوان لمشكلة. من بؤرة للشيوعية في قلب الجزيرة المحافظة، إلى ساحة لمكافحة الإرهاب، وصولًا إلى مهدد للملاحة الدولية. النظرة التي اختزلت اليمن في كونه عبئًا أمنيًا منعت أي تفكير في بناء تحالف حقيقي أو مشروع جامع، ما فتح الباب أمام اللاعبين الآخرين لتقديم روايات بديلة وبناء نفوذ مستدام.

ليس جديدًا أن تتحول اليمن إلى ساحة للتنفيس الإقليمي. من قطر إلى الإمارات، من مصر إلى الاتحاد السوفيتي سابقًا، اعتادت الدول أن تفتح جبهة يمنية كلما أرادت تخفيف الضغط السعودي أو بعث رسائل غير مباشرة. وعمان ليست استثناءً، لكن الفارق أن مقاربتها أكثر برودًا وطول نَفَس، لا تبحث عن انتصار خاطف، بل عن موطئ قدم دائم.

وإذا ما استمرت حالة التآكل داخل الشرعية، وتفاقم الانقسام داخل الانتقالي، وعجزت الرياض عن تقديم نموذج بديل متماسك، فإن المشروع العُماني مرشح لأن يتحول من مجرد نفوذ إعلامي أو رمزي إلى واقع سياسي واجتماعي راسخ. ليس بالضرورة أن يظهر في شكل سلطة معلنة أو كيان رسمي، بل يكفي أن تترسخ شبكة علاقات محلية، ومنظومة خطاب، وموازين قوى تتغذى من خارج الحدود لكنها تفرض معادلات الداخل.

مع الوقت، قد يشهد شرق اليمن ولادة كيانات مرنة في ارتباطها بمسقط، لكنها فعالة في التأثير على مسار الأحداث، وربما تُطرح لاحقًا كمناطق تفاوض بديلة عن مركز الصراع في صنعاء أو عدن. لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا بقدرة سلطنة عمان على الحفاظ على توازنها الدقيق، وتجنّب التصادم المباشر مع اللاعبين الإقليميين، وبالدرجة الأولى السعودية، التي وإن بدت مرتبكة، ما تزال تملك مفاتيح قوة يصعب تجاهلها.

في المحصلة، لا تبني سلطنة عمان نفوذًا عابرًا في اليمن، بل تكتب سطرًا جديدًا في معادلات الخليج، بهدوء المترقّب، وبصبر من يعرف أن الفراغات لا تدوم، وأن من يملؤها أولًا يحدد شكل المستقبل.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

رسميًا.. الجيش اليمني يعلن عن ”انقلاب عسكري” جديد على الشرعية

المشهد اليمني | 1145 قراءة 

أول رد من سلطنة عمان على تصريحات عيدروس الزبيدي: صرفيت ليست فكرة في خطاب بل أرض عُمانية ذات سيادة كاملة ولن نقبل أي تطاول من الانتقالي.. عاجل

مأرب برس | 937 قراءة 

إبلاغ الانتقالي باحتمالية غارات جوية سعودية مباشرة إذا لم ينسحب من حضرموت و 20 ألف جندي جاهز لدحره

المشهد اليمني | 738 قراءة 

مكتب الرئاسة يصدر بيانًا حول الزبيدي.. وهذا أبرز ما ورد فيه

نيوز لاين | 690 قراءة 

موقف أمريكي إماراتي مشترك يحدد ملامح المرحلة القادمة في اليمن

نيوز لاين | 647 قراءة 

صور مسربة تكشف انتشار أسلحة على الحدود اليمن.. تفاصيل

موقع الأول | 449 قراءة 

توقعات بإستهداف يطال هذه المناطق اليمنية خلال الساعات القليلة القادمة ودعوة للمواطنين إلى أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر

نيوز لاين | 411 قراءة 

خطوة سياسية بارزة للعليمي من قلب حضرموت

نيوز لاين | 368 قراءة 

شاهد| المجلس الانتقالي يفتح خزائن اليمن للولايات المتحدة

يمن إيكو | 361 قراءة 

خارطة انتشار جديدة.. قوات (درع الوطن) تواصل انتشار قوات درع الوطن بحضرموت (صور)

موقع الأول | 345 قراءة