رغم تحقيق قناة السويس إيرادات قياسية تجاوزت 9.4 مليار دولار في عام 2023، تواجه الهيئة هذا العام صعوبات متزايدة في تكرار هذا الأداء، وسط اضطرابات جيوسياسية وتراجع كبير في حركة الملاحة البحرية بفعل تصاعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، كشف عن تراجع مرور السفن بنسبة وصلت إلى 50% منذ بدء الهجمات، موضحًا أن عدد السفن العابرة انخفض من 75-80 سفينة يوميًا إلى نحو 30-35 فقط منذ نوفمبر 2023.
تحديات مزدوجة: الأمن والتأمين
مع دخول النصف الثاني من 2025، بات من الصعب على مصر تحقيق الهدف المأمول بإيرادات تبلغ 7 مليارات دولار، خاصة في ظل استمرار التهديدات الحوثية وارتفاع تكاليف التأمين البحري لأكثر من أربعة أضعاف. وأشار ربيع إلى أن الآمال بانفراج جزئي منذ يونيو الماضي تبخرت بعد إغراق سفينتين مؤخرًا، وتدهور الوضع الإقليمي بفعل حرب غزة.
تقرير حديث لشركة “أليانز كوميرشال” وصف البحر الأحمر بأنه أحد أخطر الممرات الملاحية في العالم، مؤكدًا أن قناة السويس أصبحت “ممرًا غير مستغل بالكامل مؤقتًا” بسبب المخاطر الأمنية التي يتوقع أن تستمر حتى نهاية العام الجاري.
إجراءات الهيئة: تخفيضات وحوافز
ضمن محاولاتها لجذب حركة الملاحة، أعلنت هيئة قناة السويس تمديد العمل بتخفيض قدره 15% من رسوم عبور سفن الحاويات التي تبلغ حمولتها الصافية 130 ألف طن أو أكثر، حتى نهاية 2025. كما عقد الفريق ربيع اجتماعًا موسعًا مع ممثلين عن 25 شركة شحن وتوكيل ملاحي عالمي في مايو الماضي، لبحث فرص العودة التدريجية لاستخدام القناة، وتقديم حوافز إضافية وخفض رسوم العبور.
الأزمة في الأرقام
وفق بيانات رسمية، تراجعت إيرادات القناة الفصلية بنسبة 6% في الربع الأول من 2025 لتبلغ 904 ملايين دولار، بانخفاض يقارب 60% عن نفس الفترة في 2023. وقدّرت وزارة المالية خسائر القناة بـ2.15 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الجارية. ورغم تحسن نسبي شهده شهرا فبراير ومارس مع عبور 264 سفينة إضافية، إلا أن المشهد لا يزال هشًا.
عودة التصعيد الحوثي تربك الحسابات
ورغم إعلان الحوثيين عن هدنة في يناير، فإن الجماعة عادت في الربع الثاني من 2025 لتنفيذ هجمات جديدة استهدفت سفنًا تجارية، أبرزها ناقلة الحبوب “إيترنتي سي” التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، والتي تعرضت لهجوم استمر أكثر من 14 ساعة. هذه الحادثة أعادت المخاوف الأمنية إلى الواجهة، خصوصًا مع تأكيد الحوثيين استمرار استهدافهم للسفن المرتبطة بإسرائيل.
تكاليف التأمين ترتفع وشركات الشحن تتردد
ارتفعت أقساط التأمين على مخاطر الحرب لتبلغ نحو 1% من قيمة السفينة، مقارنة بـ0.2%-0.3% في فترات سابقة. هذه الزيادة دفعت العديد من شركات الشحن إلى تفضيل طريق رأس الرجاء الصالح رغم تكلفته الزمنية والمالية، خشية تعرض سفنها للخطر في البحر الأحمر. وقدّرت “بلومبرغ إنتليجنس” أن العودة إلى قناة السويس قد تخفض الطلب على الشحن بنسبة تصل إلى 6% في 2025، ما يشكل تحديًا آخر للربحية.
الآفاق المستقبلية: تفاؤل مشروط
صندوق النقد الدولي توقع بدء تعافي تدريجي في إيرادات قناة السويس خلال العام المالي الحالي، على أن ترتفع إلى نحو 11.9 مليار دولار بحلول 2029-2030 مع انحسار التوترات. إلا أن هذا التفاؤل يظل مشروطًا بعوامل خارجة عن سيطرة مصر، في مقدمتها نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، واستقرار الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر، ومرونة شركات التأمين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news