عن هاشم علي وريشته

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 39 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
عن هاشم علي وريشته

كنت بين زيارة وأخرى لي إلى تعز أعرج عليه، فنرتب موعداً صباحياً للتجول، أو مقيلاً بمسكنه، أو عند أحد أصدقائه وهم كُثر. نتجول في حواريها القديمة وأسواقها ونأكل في مطاعمها الشعبية، قبل أن يعود بقاته باكراً إلى حجرته المتواضعة، جوار مرسمه الصغير، واللذين فُصِلا عن مسكنه العائلي الضيق أصلاً. أما موعد دخوله للمرسم كان يتم عادة بعد العصر، وهي عادة لا يكسرها سوى مودة جليسه أو زائره أو وجوده خارج المنزل. أما من اعتاد عليهم من زوّاره الدائمين، فكان يتركهم لإكمال مقيلهم في الحجرة المتواضعة، وهناك في المرسم يبدأ منهمكاً لساعات طويلة بتصريف أفكاره الفنية على الأحبار والورق والأقمشة؛ ذاته المرسم الذي احتشدت فيه اجسادنا ذات ربيع من العام 2000، برفقة الدكتور حاتم الصكر، لاكتشاف عوالمه.

  في بيته المستأجر والبسيط في منتصف عقبة شارع 26 سبتمبر باتجاه “النقطة الرابعة” (المستشفى اليمني السويدي) وعُرْضِي الجحملية صعوداً، أو هبوطاً باتجاه المدينة، تصالح بشكل عجيب مع ضيق المسكن، ومع ضجيج العربات والدراجات النارية، التي ترتفع أصوات ماكيناتها بسبب أحمال صعود العقبة، بل واعتبرَ هذا الضجيج جزءً من تمرين الأذن اليومي على الأذى الجميل.

  لم يكن فقط، رساماً ملهماً ورائداً للتشكيل الحديث في اليمن كما يعدّه الدارسون والمهتمون، وتتلمذ على يديه عشرات الفنانين المبتدئين الذين صار بعضهم أسماءً رائجة داخل اليمن وخارجها، بل كان مفكراً حقيقياً وفيلسوفاً نابهاً يحيط بتاريخ الفنون والحضارات الإنسانية بشكل لافت، وساعده في ذلك إتقانه للإنجليزية التي كان يقرأ بها.

  انحاز للسرديات والشعر الحديث والموسيقى، فكان لا يتم حديث معرفي معه إلا واستشهاداته الحية من أعمال روائية أو أعمال شعراء وموسيقيين، حاضرة على لسانه، لتعزيز أفكاره وما يريد إيصاله لمستمعه.

برغم استطالة تجربته الفنية التي امتدت لقرابة نصف قرن ومنحته شهرة فائقة، لم يركن عليها في الأصل، ظل حتى آخر أيامه يجدّد في موضوعاته وفي منظوره اللوني، الذي صار أكثر بهاءً وفرحاً وشاعرية، حتى وهو يرسم قرى الجبل، التي سترد إحداها مع هذه الاستعادة في ذكرى رحيله الذي كان في 7 نوفمبر/ تشرين ثاني 2009.

من الحكاية الشعبية استلهم، ومن السخرية اللاذعة قدّم بصريَّاته التي تشبه توجعَّات البسطاء من الناس، ومن الطبيعة استنطق لامرئياتها المحتشدة في اللون؛ رسم الأزقة والمساجد وبائعات الفواكه وورَّادي الماء والعتّالين والفلاحين وضاربي الطارات (الدفوف) من المتصوفة والدراويش، ورسم الصيادين ونساء الأرياف… رسم القرى والحيوانات. رسم كل ذلك بالزيت والحبر الأسود، ففتحت لوحاته، بتعدد أسلوبياتها، للدارسين متنفساً قرائياً وتنظيرياً، سهَّل على الكثيرين منهم موضعتها في سياقات التأثير المدرسي لتيارات الفن المعاصر، والتي اتصل بها هاشم بواسطة القراءة وليس على مقعد الدرس.

  من أحجار تعز الملونة أنجز “جدارية الشمس”، في إحدى منتزهاتها بالقرب من كلية الآداب، قبل أن يكرِّمه فنانوها ومثقفوها في 2012، برسم جدارية له في جولة البريد لمناسبة ذكرى رحيله الثالثة، وبعدها بقليل انتفض الجميع تضامناً مع هذه الجدارية، التي تعرضت للتشويه من قبل ظلاميين يكرهون الفن ويجرمونه. 

رسم ونحت كل شيء له صلة بجمال الإنسان والطبيعة، حتى وهما في أشد بؤسهما، ولا تخلو عشرات من لوحات تلاميذه من رسامي وفناني اليوم، من مسحاتها الروحية والجمالية، حتى وهم يحاولون العمل بنصيحته التي تحثهم على البحث عن شخصياتهم الخاصة، بعيداً عن تأثيراته وتأثيرات غيره.

  ولا يخلو مسكن لأحد من أصدقائه القريبين من بوروتريهاً جميلاً لشخصه أهداه إياه هاشم علي، تعبيراً عن مودة خاصة. وهنا أتذكر أنه في إحدى جولاتنا الصباحية بالقرب من السوق المركزي في العام 2003، أصَّر على دخولنا استديو تصوير قريب، وطلب من صديقه المصور التقاط صورة جانبية لي دون أن يخبرني لماذا؟ وفي اليوم التالي، أعطاني نسخة من الصورة التي وضعتها في الحقيبة ونسيت أمرها.

وبعد شهرين تقريباً فاجأني الصديق القاص محمد عبدالوكيل جازم بمظروف مغلَّف حمله معه من تعز، ومرسل من الأستاذ هاشم… فقد كان بداخله، وعلى ورق مقوى خاص، بروتريهاً جميلاً لي. أسعدني أمر أن وجهي رُسم بريشة العظيم هاشم، وأنه بهذه اللوحة يعمّدني صديقا مقرباً، كما قرأ الأمر صديقنا المشترك الراحل البهي محمد عبدالباري الفتيح، الذي كان قريباً جداً من هاشم كصديق، وجمعتنا الثلاثة لقاءات كثيرة، و”حشوش” مبجَّل.

كان  هاشم يحب الناس ويحبونه بشكل تلقائي؛ يعرف الناس بأسمائهم وألقابهم ويمازحهم بتهذيب شديد في محلاتهم وخارجها في الشارع والسوق. قلت له ذات رفقة في شارع التحرير الأعلى: هل يعرفونك كفنان يا أستاذ؟ قال: أظن أن أكثرهم لا يعرفون حتى اسمي، ويعرفون شكلي من كثرة مروري اليومي في ذات الشوارع والأماكن.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

ارتفاع طفيف في أسعار الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني بأسواق عدن الأحد 3 أغسطس 2025

عدن نيوز | 1097 قراءة 

دولة عظمى تقف خلف تعافي الريال اليمني.. هددت كبار الصرافين ومصدر حكومي يكشف الكواليس

نيوز لاين | 1011 قراءة 

في القاهرة.. نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح يحتفل بزفافه وسط حضور سياسي واجتماعي بارز

يني يمن | 981 قراءة 

مباشر من محلات الصرافه .. أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية..!

عناوين بوست | 919 قراءة 

عاجل:هيوط جديد باسعار الصرف الان

كريتر سكاي | 882 قراءة 

الصرف يستقر عند سعر جديد في عدن ومأرب وصنعاء

مأرب برس | 597 قراءة 

الريال اليمني ينتعش.. مكاسب متواصلة في عدن خلال تعاملات اليوم (السعر الآن)

مساحة نت | 553 قراءة 

سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي في صنعاء وعدن لليوم الأحد

شبكة اليمن الاخبارية | 548 قراءة 

آخر تحديث لسعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية لهذا اليوم الأحد 3 أغسطس

العاصفة نيوز | 459 قراءة 

أسعار صرف الريال اليمني مقابل السعودي والدولار في صنعاء وعدن ومأرب اليوم الأحد 3 أغسطس 2025م

بران برس | 444 قراءة