عن هاشم علي وريشته

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 136 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
عن هاشم علي وريشته

كنت بين زيارة وأخرى لي إلى تعز أعرج عليه، فنرتب موعداً صباحياً للتجول، أو مقيلاً بمسكنه، أو عند أحد أصدقائه وهم كُثر. نتجول في حواريها القديمة وأسواقها ونأكل في مطاعمها الشعبية، قبل أن يعود بقاته باكراً إلى حجرته المتواضعة، جوار مرسمه الصغير، واللذين فُصِلا عن مسكنه العائلي الضيق أصلاً. أما موعد دخوله للمرسم كان يتم عادة بعد العصر، وهي عادة لا يكسرها سوى مودة جليسه أو زائره أو وجوده خارج المنزل. أما من اعتاد عليهم من زوّاره الدائمين، فكان يتركهم لإكمال مقيلهم في الحجرة المتواضعة، وهناك في المرسم يبدأ منهمكاً لساعات طويلة بتصريف أفكاره الفنية على الأحبار والورق والأقمشة؛ ذاته المرسم الذي احتشدت فيه اجسادنا ذات ربيع من العام 2000، برفقة الدكتور حاتم الصكر، لاكتشاف عوالمه.

  في بيته المستأجر والبسيط في منتصف عقبة شارع 26 سبتمبر باتجاه “النقطة الرابعة” (المستشفى اليمني السويدي) وعُرْضِي الجحملية صعوداً، أو هبوطاً باتجاه المدينة، تصالح بشكل عجيب مع ضيق المسكن، ومع ضجيج العربات والدراجات النارية، التي ترتفع أصوات ماكيناتها بسبب أحمال صعود العقبة، بل واعتبرَ هذا الضجيج جزءً من تمرين الأذن اليومي على الأذى الجميل.

  لم يكن فقط، رساماً ملهماً ورائداً للتشكيل الحديث في اليمن كما يعدّه الدارسون والمهتمون، وتتلمذ على يديه عشرات الفنانين المبتدئين الذين صار بعضهم أسماءً رائجة داخل اليمن وخارجها، بل كان مفكراً حقيقياً وفيلسوفاً نابهاً يحيط بتاريخ الفنون والحضارات الإنسانية بشكل لافت، وساعده في ذلك إتقانه للإنجليزية التي كان يقرأ بها.

  انحاز للسرديات والشعر الحديث والموسيقى، فكان لا يتم حديث معرفي معه إلا واستشهاداته الحية من أعمال روائية أو أعمال شعراء وموسيقيين، حاضرة على لسانه، لتعزيز أفكاره وما يريد إيصاله لمستمعه.

برغم استطالة تجربته الفنية التي امتدت لقرابة نصف قرن ومنحته شهرة فائقة، لم يركن عليها في الأصل، ظل حتى آخر أيامه يجدّد في موضوعاته وفي منظوره اللوني، الذي صار أكثر بهاءً وفرحاً وشاعرية، حتى وهو يرسم قرى الجبل، التي سترد إحداها مع هذه الاستعادة في ذكرى رحيله الذي كان في 7 نوفمبر/ تشرين ثاني 2009.

من الحكاية الشعبية استلهم، ومن السخرية اللاذعة قدّم بصريَّاته التي تشبه توجعَّات البسطاء من الناس، ومن الطبيعة استنطق لامرئياتها المحتشدة في اللون؛ رسم الأزقة والمساجد وبائعات الفواكه وورَّادي الماء والعتّالين والفلاحين وضاربي الطارات (الدفوف) من المتصوفة والدراويش، ورسم الصيادين ونساء الأرياف… رسم القرى والحيوانات. رسم كل ذلك بالزيت والحبر الأسود، ففتحت لوحاته، بتعدد أسلوبياتها، للدارسين متنفساً قرائياً وتنظيرياً، سهَّل على الكثيرين منهم موضعتها في سياقات التأثير المدرسي لتيارات الفن المعاصر، والتي اتصل بها هاشم بواسطة القراءة وليس على مقعد الدرس.

  من أحجار تعز الملونة أنجز “جدارية الشمس”، في إحدى منتزهاتها بالقرب من كلية الآداب، قبل أن يكرِّمه فنانوها ومثقفوها في 2012، برسم جدارية له في جولة البريد لمناسبة ذكرى رحيله الثالثة، وبعدها بقليل انتفض الجميع تضامناً مع هذه الجدارية، التي تعرضت للتشويه من قبل ظلاميين يكرهون الفن ويجرمونه. 

رسم ونحت كل شيء له صلة بجمال الإنسان والطبيعة، حتى وهما في أشد بؤسهما، ولا تخلو عشرات من لوحات تلاميذه من رسامي وفناني اليوم، من مسحاتها الروحية والجمالية، حتى وهم يحاولون العمل بنصيحته التي تحثهم على البحث عن شخصياتهم الخاصة، بعيداً عن تأثيراته وتأثيرات غيره.

  ولا يخلو مسكن لأحد من أصدقائه القريبين من بوروتريهاً جميلاً لشخصه أهداه إياه هاشم علي، تعبيراً عن مودة خاصة. وهنا أتذكر أنه في إحدى جولاتنا الصباحية بالقرب من السوق المركزي في العام 2003، أصَّر على دخولنا استديو تصوير قريب، وطلب من صديقه المصور التقاط صورة جانبية لي دون أن يخبرني لماذا؟ وفي اليوم التالي، أعطاني نسخة من الصورة التي وضعتها في الحقيبة ونسيت أمرها.

وبعد شهرين تقريباً فاجأني الصديق القاص محمد عبدالوكيل جازم بمظروف مغلَّف حمله معه من تعز، ومرسل من الأستاذ هاشم… فقد كان بداخله، وعلى ورق مقوى خاص، بروتريهاً جميلاً لي. أسعدني أمر أن وجهي رُسم بريشة العظيم هاشم، وأنه بهذه اللوحة يعمّدني صديقا مقرباً، كما قرأ الأمر صديقنا المشترك الراحل البهي محمد عبدالباري الفتيح، الذي كان قريباً جداً من هاشم كصديق، وجمعتنا الثلاثة لقاءات كثيرة، و”حشوش” مبجَّل.

كان  هاشم يحب الناس ويحبونه بشكل تلقائي؛ يعرف الناس بأسمائهم وألقابهم ويمازحهم بتهذيب شديد في محلاتهم وخارجها في الشارع والسوق. قلت له ذات رفقة في شارع التحرير الأعلى: هل يعرفونك كفنان يا أستاذ؟ قال: أظن أن أكثرهم لا يعرفون حتى اسمي، ويعرفون شكلي من كثرة مروري اليومي في ذات الشوارع والأماكن.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل:قصف سعودي يستهدف هذه المنطقة

كريتر سكاي | 697 قراءة 

حسين الجسمي يستفز الشعب اليمني.. اكتشف القصة

المشهد اليمني | 638 قراءة 

ضجة في اليمن بسبب تصريح حسين الجسمي.. ما الذي حدث؟

المرصد برس | 608 قراءة 

مشاورات سعودية- إماراتية خلف الكواليس بشأن تطورات الجنوب وبيان مرتقب لاحتواء الموقف

عدن حرة | 520 قراءة 

عاجل:عمرو بن حبريش يتحدث عن خروج قوات الانتقالي من حضرموت

كريتر سكاي | 478 قراءة 

انفصال جنوب اليمن وشيكاً

الوطن العدنية | 466 قراءة 

رئيس الوزراء الأسبق ‘‘باسندوة’’ يخرج عن صمته ويعلن موقفه من سيطرة الانفصاليين على حضرموت والمهرة: أتمنى الموت قبل أن أرى هذا الأمر!!

المشهد اليمني | 418 قراءة 

كاتب سعودي: هذا ما كشفه خروج الانتقالي من عدن وتمدده إلى حضرموت

المشهد اليمني | 376 قراءة 

شخصية يمينية متطرفة بريطانية تتدخل في ملف اليمن وتروّج لانفصال الجنوب

بوابتي | 318 قراءة 

مؤيد للحوثي.. مقاطع لشقيق رئيس الأركان اليمني تثير جدلا عن أداء الشرعية العسكري

عدن تايم | 272 قراءة