في مدينة تئن تحت وطأة أوجاعها، حيث تحاصر المخدرات أحلام الشباب، وتغتال الطمأنينة من أعين الأمهات، يقف رجل واحد في وجه العاصفة، دون درع سوى إيمانه بربه، ودعوات الموجوعين في الليل.
إنه المقدم مياس الجعدني، رئيس الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، رجل قرر أن لا يساوم على أمن المجتمع، حتى ولو كان الثمن حياته.
بين أزقة عدن ودهاليزها، لا يحتاج الناس إلى نشرة أخبار ليعرفوا من هو الجعدني. اسمه وحده يكفي لإرباك المروجين، وصورته محفورة في ذاكرة أحياء طالما تردد فيها صدى أقدامه وهو يداهم أوكار السموم.
لكنه لا يخوض هذه الحرب وحدها كقائد ميداني فحسب، بل كأب في ريعان شبابه، وكابن بار بهذه المدينة، كإنسان يعرف أن كل مدمن هو ضحية خذله المجتمع، وتسلل إليه العبث عبر نافذة إهمال رسمية.
ولأنه وجه ضربات موجعة لتجار الموت، فقد توالت عليه التهديدات، واحدة تلو الأخرى.
لم يهددوه بوظيفته، ولا بمكانته، بل بشيء لا يحتمل، فلذات كبده. نعم، لم يتورعوا عن تهديد أطفاله، وهو يعلم أن العدو الجبان لا يخجل من استهداف الطاهرين.
لكن الجعدني لم يرتجف. لم يساوم، لم يتراجع، لم يحتمِ بحراسة مشددة أو بأسوارٍ عالية. بل بـربه، وبدعوات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن بفعل جرعة مسمومة أو سيجارة قاتلة.
قالها اليوم في نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين "ما دمت على قيد الحياة، ورأسي يشم الهواء فلن أترك الشارع في مدينتي نهبا لعصابات السموم، سأواصل المعركة ولو بقيت وحدي".
ولأنه لم يكن رجل شعارات، بل أفعال، فقد أعاد تعريف المعركة، وبأنها ليست فقط بالرصاص، بل بالتوعية، بالشراكة مع الإعلام، بالمبادرات المجتمعية، بإعادة بناء الثقة بين المواطن ورجل الأمن.
من تابع مسيرته يعرف أنه خاض معارك لا تحصى، دون أن يطلب مكافأة أو وسام.
كل ما يريده أن يعود الأطفال إلى مدارسهم بدل الزوايا المظلمة، وأن تنام الأمهات ليلًا دون دموع.
عدن تدين بالكثير لهذا الشاب الشهم، وربما لا يعرف كثيرون حجم الضغوط التي يواجهها، ولا عدد الليالي التي نام فيها على أعصابه، لكنه ظل كما هو، شجاعا، صامتا، مؤمنا.
وفي زمن تهرول فيه المناصب خلف العناوين الفارغة، يظل مياس الجعدني عنوانا للقضية نفسها.
لأنه شاب من عرق الوطن، لا من ورق القرارات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news