الجنوب لا يموت… بل يتقن الصمت قبل العاصفة

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 76 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الجنوب لا يموت… بل يتقن الصمت قبل العاصفة

في الجنوب، لا يحتاج المواطن إلى من يُفسر له الألم، فقد أصبح جزءًا من يومياته، تمامًا كما الهواء والماء والخبز المفقود. لا يشتكي كثيرًا، لكنك ترى الغضب في العيون، وترى الصبر المتآكل على الأرصفة، وتسمع في صوته قهرًا مكتومًا لم تعد تخفيه المجاملات الوطنية. الضالع، هذا القلب النابض للوجع والكرامة، خرجت اليوم لا لتصيح في الهواء، بل لتدق جرس الخطر: الجنوب لم يعد يحتمل مزيدًا من التجويع ولا مزيدًا من العبث.

الهتاف الشعبي لم يكن موجّهًا لمليشيا، ولا لحكومة بحد ذاتها، بل لكل من قرر أن يجعل من الجنوب حقل تجارب للفشل والانهيار. فالناس لم يثوروا على قرار سعر، بل على مشروع إذلال مستمر منذ سنوات، باسم الشرعية حينًا، وباسم الشراكة حينًا، وباسم انتظار الحل حينًا آخر. جنوب اليوم ليس جنوب ما بعد الحرب فقط، بل جنوب ما بعد الصبر.

ما يجري اليوم في شوارع الضالع وعدن وأبين ولحج وكل شبر جنوبي، ليس مجرد موجة غضب. إنها إعادة تعريف للوجود الجنوبي: شعب لم يخرج ليفرض نفسه على أحد، بل خرج ليرد الاعتبار لهويته وتاريخه وثقافته ودماء شهدائه. نحن لم نُخلق لكي نكون هامشًا في دولة تنهار، ولا عبئًا على تحالف يبحث عن مخرج مشرف من ورطته. الجنوب ليس جسر عبور لأحد، ولا ورقة مساومة على طاولات العواصم.

تاريخيًا، حاولوا طمس الجنوب من المناهج، ومسح اسمه من الإعلام، وتذويبه في وحدة مزيفة أنتجت الحرب والخذلان. لكن الحراك الجنوبي منذ يومه الأول اختار السلم، لا عن ضعف، بل عن وعي وذكاء. وبنفس العقلية، واجه الغزو الحوثي الفارسي بصدور المقاومين وسواعد الفلاحين، لا بالدبابات ولا بطائرات الدعم، بل بالحق والإرادة. ولهذا خسر الحوثي في الجنوب أسرع مما توقع الجميع. لكنه عاد لاحقًا، بوجه آخر، عبر بوابة الشرعية الفاشلة، وبأدوات الفساد والتجويع والخصخصة المقنّعة.

وهنا تبدأ الكارثة: أن يتحول الجنوب من ساحة نصر إلى ساحة نكران، من رمز للتحرير إلى ساحة للفقر، من أرض للكرامة إلى حقل اختبار للسياسات المفروضة من خلف الحدود. والمؤلم أن هذه المأساة تدار بواجهات جنوبية أحيانًا، ترفع علم الجنوب لكنها لا تعرف كيف تخدمه، وتتحدث باسمه لكنها لا تحس بوجعه.

وسط هذه العتمة، برزت قرارات المجلس الانتقالي بإعادة هيكلة مؤسساته، دمجًا وتوحيدًا وإعادة تنظيم. وفي الظاهر، تبدو خطوة تصحيحية، لكن الشارع لا يُخدع بسهولة. فالجنوبي لا يبحث عن عدد الهيئات أو تسمياتها، بل عن جدوى وجودها. هل ستصل الكهرباء؟ هل سيتوقف الانهيار؟ هل سيتغير شكل المفاوض الجنوبي؟ هل ستُكسر حلقة المحسوبية والمناطقية؟ الناس تسأل: هل هذه الهيكلة خطوة نحو بناء دولة، أم مجرد إعادة توضيب للمشهد القائم؟ الجنوبي لم يعد يحتمل إصلاحًا فوق الورق، ولا خططًا تنتهي في المكاتب.

وما يزيد المسألة تعقيدًا أن ما يجري في الجنوب لا يمكن فصله عن المشهد الإقليمي الأشمل. فكما أن استقرار الشام مستحيل في ظل ما يسمى "إسرائيل الصغرى"، فإن استقرار اليمن والجنوب خاصة مستحيل في ظل مخطط "إسرائيل الكبرى"، تلك التي لا تظهر على الخريطة لكنها تتحرك في القرار، وتُشعل الجبهات حين تشاء، وتطفئها حين تنضج تسوية تخدم مصالحها. نحن أمام مشروع تفكيك ناعم، لا يأتي بالدبابات، بل بالجوع، والتضليل، وتكريس الفوضى كواقع لا يُمكن تغييره.

هنا، يصبح الوعي الجنوبي هو السلاح الوحيد القادر على التصدي. فالشعب الذي صنع النصر ذات يوم، قادر على صيانة الحلم، إذا توفرت له قيادة شفافة، وإعلام وطني، وإرادة سياسية تضع الناس قبل المصالح.

هذا ليس وقت التشكيك، لكنه أيضًا ليس وقت المجاملات. الجنوب يحتاج اليوم إلى فعل، لا إلى تنظير. إلى معركة تنمية، لا معارك على المناصب. إلى مشروع حقيقي يعيد الكرامة للإنسان الجنوبي، لا إلى لجان وخطط تستنزف الوقت بينما يموت المواطن واقفًا.

من هنا، فإن هذه التظاهرات هي إنذار مبكر. صوت من تحت الرماد. الغضب الذي لا يُسمع اليوم، قد يُفجر غدًا واقعًا جديدًا لا يمكن التنبؤ بنتائجه. الجنوب لا يموت… لكنه إذا نهض، لا يعود إلى النوم.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

شاهد بالصورة ..شاب قدم شكوى بعصابة ابتزاز قامت باغتصابه وتصويره بوضع مخل

نيوز لاين | 440 قراءة 

اليمن يستقبل أكبر سفينة تجارية للمرة الأولى منذ 14 عاماً

يمن فويس | 294 قراءة 

اشتباكات قبلية دامية في البيضاء تخلّف أكثر من 44 قتيلاً وجريحاً وسط تقاعس حوثي عن التدخل

بوابتي | 286 قراءة 

تعزيزات قبلية كبيرة تصل العكدة في حضرموت لمواجهة التمدد العسكري الإماراتي

موقع الجنوب اليمني | 281 قراءة 

القرود ترتكب جريمة مروعة في البيضاء

كريتر سكاي | 271 قراءة 

القبض على المركب الإيراني "الأم" في عملية دولية مشتركة

نافذة اليمن | 185 قراءة 

عاجل : تحويل 7 مشجعين إلى الجهات المختصة في السعودية بسبب لافتة الديربي

العين الثالثة | 175 قراءة 

صحابي يمني يخدع أبوبكر الصديق بحيلة ماكرة أضحكت الرسول

نيوز لاين | 168 قراءة 

قرار رئاسي بإعادة تموضع القوات العسكرية في سواحل لحج

الوطن العدنية | 158 قراءة 

صراع السيطرة يتجدد.. "درع الوطن" و"العمالقة" في مواجهة مفتوحة

نيوز لاين | 153 قراءة