في خضم الجدل الدائر حول مشروع التوطين وحماية الإنتاج المحلي، لا بد أن نُعيد تسليط الضوء على بعض الحقائق الجوهرية التي تغيب أو تُغيب جهلا أو عمدا.. فتشوه مسار الحملة التوعوية وتحرفها عن هدفها الوطني النبيل..
الحقيقة.. عندما نتحدث اليوم عن دعم “المنتج المحلي”، لا نعني فقط المصانع الضخمة والشركات الكبرى. نحن نتحدث عن نسيج اقتصادي شامل.. من الورش الصغيرة إلى الصناعات الحرفية.. مرورا بالزراعة، وصيد الأسماك، والثروة الحيوانية،.. وكل الأنشطة التي تُشكل العمود الفقري للاقتصاد المجتمعي. هذه القطاعات باتت عرضة للاستهداف والمنافسة غير العادلة مع السلع المستوردة، ما أدى إلى توقف مشاريع وتشريد آلاف العاملين..
جدل “المدخلات المحلية 100%”
الادعاء بأن دعم المنتج المحلي يجب أن يقتصر فقط على ما يُنتَج بمدخلات محلية بنسبة 100% هو طرح غير واقعي ويتنافى مع المنطق الاقتصادي. فالإنتاج – حتى لو كان مجرد تعبئة أو تغليف – يعني تشغيل أيادي عاملة، وتحريك سلسلة من الخدمات كالنقل والطاقة والتخزين والتوزيع، وكذا خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.. على عكس المنتج المستورد الجاهز، الذي لا يوفر أي دورة اقتصادية داخل البلد، بل يستنزف العملة ويقضي على فرص التشغيل والإنتاج.
وبالتأكيد، معظم المنتجات اليمنية التي تعتمد على خامات مستوردة، تستند في المقابل إلى مدخلات وسيطة تُنتج محليا مثل.. العلب، الكرتون، البلاستيك، والخدمات اللوجستية.. وهذه المدخلات تُنتج من قبل شركات وطنية، وتشغل آلاف اليمنيين. لذا، فإن قرار تقنين أو حظر استيراد بعض السلع ليس عبثيا.. بل هو جزء من سياسة حماية المنتجات المحلية وتوجيه الصناعات لتتكامل وتغذي بعضها البعض..
التوطين.. مشروع وطني ورؤية تدريجية
مشروع التوطين الذي أعلن عنه مؤخرا ليس ارتجالا.. بل هو مشروع وطني مرحلي، يستهدف التدرج في الاعتماد على المواد المحلية. والدليل ما حدث مؤخرا في مصانع الألبان بالحديدة، التي أُلزمت بتغطية جزء من احتياجاتها من الحليب عبر جمعيات تعاونية من المزارعين ومربي الأبقار المحليين.. هذه الخطوة ليست سوى بداية، ورسالة واضحة بأن التوطين لا يفترض أن يكون كاملا منذ اللحظة الأولى، بل يُبنى بطريقة تدريجية كما فعلت معظم دول العالم. فحتى الدول الصناعية الكبرى لا توطّن إنتاجها بنسبة 100%.
حملة وطنية.. لا صراع مصالح
أخيرا، من المؤسف أن يحاول البعض حرف الحملة التوعوية بأهمية توطين الإنتاج المحلي، عن مسارها الوطني.. عبر الزج بخلافات بين تجار أو الإيحاء بوجود تصفية حسابات تجارية.. وهذا تشكيك مدان. فالحملة وطنية خالصة يقودها نخبة من الإعلاميين والنشطاء المؤمنين بمشروع التوطين كطريق لبناء اقتصاد منتج، مستقل، ومنصف.
باختصار، ما نحتاجه اليوم ليس التشكيك في النوايا، بل الانخراط في هذه المعركة الوطنية بكل صدق ووعي، لأن إنقاذ الاقتصاد يبدأ من حماية ما تبقى من القدرة الإنتاجية، ودفعها إلى الأمام بكل ما نملك من إرادة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news