على عكس بلدان شتى، يبدو إرساء مشروع لتوطين الصناعات في اليمن، بحاجة إلى هدر إعلامي مستمر وحملات توعوية واسعة في بلد جابت منتجاته البلدان قديما، عدا أن التعامل بعقلية الإقطاع وتغليب المصالح الشللية على المصلحة العليا للبلد تجعلنا أمام واقع يحتم ضخ توعوي واسع في معركة وطنية تقرع طبولها في الداخل اليمني.
الإعلام والحملات التوعوية في إرساء المشاريع الوطنية خاصة، تجد سلاسة في المساندة، دون ان ترتطم بحمى الممانعة وعراقيل قد تفتعلها مصالح محددة لتفرض على القائمين عليها الدفاع لتبرير استئناف مشاريع وطنية هي في الأصل الموروث الايجابي للأجداد.
منذ ايام قليلة مضت وتحديدا الثلاثاء الماضي 22 يوليو استوقفني تقريراً صحفيا نشرته جريدة الدستور المصرية حول مشروع الحكومة المصرية في التوطين، ليست الدهشة هنا في التوجه الحكومي، بل من مواقف المسؤولين والتجار ورجال الاستثمار ولهجة الاعتزاز التي يتحدثون بها حول مشروع توطين الصناعات، بدا ذلك جليا في نصريحات مشبوبة بالحماس لمسئولين اقتصاديين ورؤساء شركات يتحدثون عن رؤية الحكومة ومشروع توطين الصناعات في مصر بلهجة اعتزاز وبلغة مملوءة بالوطنية وبمفاهيم اقتصادية متقدمة تنم عن خبرة ومسؤولية وتفاعل ايجابي يعزز ثقة الحكومة ويحثها على المسارعة في الدفع قدما بالمشروع، فخالطني ربب الأماني إن كان مسئولينا وتجارنا في اليمن من هذا العيار الخالص.
بالامس تصدر موقع اقتصاد الشرق خبراُ بعنوان: “مدينة ذهب عالمية في العراق” جاء في التفاصيل:
– بغداد تطلق “مدينة الذهب العالمية” لتوطين الصناعة وتحفيز الاستثمار .
– الإطلاق يأتي ضمن برنامج العراق لتعزيز الإنتاج المحلي بغرض تقليص فاتورة الاستيراد.
في الحالتين لا يختلف الأمر كثيرا بين العراق ومصر في التعاطي الإيجابي مع المشاريع الوطنية، لأن الطبيعي في بلد تعمل فيه النخبة على تغليب المصلحة الوطنية ويمتلك رجال اعمال و تجار فاعلين وشعباً واعيا.
من الطبيعي ان يحظى مشروعاً طموحا وعملاقا كمدينة الذهب العالمية بدعم رجال الأعمال والمستثمرين والمنتجين والموردين والغرف التجارية في العراق قبل المجتمع وتبلور الرأي العام وضجيج الإعلام، ولم يعد هناك حيزاً متاحا لنتوقع بظهور من يتبنى معارضة المشروع أو يدعو الناس للخروج ضده والتحشيد للضغط على الحكومة كي تتراجع عنه أو تلغيه.
على النقيض من ذلك ما شاهدته آنفا في فيديو قصير عن وقفة احتجاجية “ملفلفة” نظمتها الغرفة التجارية بالعاصمة اليمنية صنعاء تحت عنوان: “التنديد بقرار وزارتي المالية والإقتصاد..” وذلك لمناهضة توجهات حكومة البناء والتغيير المشجعة للإنتاج المحلي الصناعي والزراعي والحرفي ضمن مشروعها الوطني الطموح للتوطين.
لا اخفيكم سرا انني لم استطع حتى الأن الخروج من صدمة تلك المفارقة العجيبة فقد رايت فيها المأسأة والملهاة في صورة واحدة. كنت اشاهد مقطع الفيديو فيبدو لي من هيئة وحالة الواقفين وقلقهم واهتزازهم كما لو انها وقفة لالتقاط الصور في مكان لا يسمح فيه بالتصوير أكثر من كونها وقفة احتجاجية منظمة وأنظر الى تلك اللافتات واستمع للشعارات فاضحك على سذاجة مفتعلة، ثم أتأمل في خلفيتها ودوافعها قائمة ما بين سطورها فأرى كيف اختطفت الخمسة حرامي وشلة العرطات كياناً مهما واحتكرت قرارها وصوتها، على حساب اكثر من 95 من اعضائها ومصالحهم فأبكي ألما وقهرا للحال الذي وصلنا إليه ولإنحدار القيم وتبدل المفاهيم لاجل المصالح الدنيا وسطوة التظليل على الناس والضحك على الذقون وضعف الوعي السائد ومحاولة استغلال بساطة تعاطي الشارع مع المشاريع الوطنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news