من قصر الشعب إلى منفاه في موسكو، متحسرًا على ماضٍ لن يعود!!
قبل 1 دقيقة
اعتاد بشار الأسد، الرئيس السوري اللاجئ في العاصمة الروسية موسكو، أثناء حكمه، على إصدار الأوامر، على سماع هتافات المنافقين وكسب ولاء أصحاب المصالح، ولكنه اليوم يجد نفسه وحيدًا في أرقى أحياء موسكو الجميلة، محاصرًا بقيود الضيافة وشروط القيصر، هو الآن مجرد طيف من ماضٍ لم يعد له وجود
.
كان بشار الأسد، الرئيس الذي حكم سوريا لقرابة ربع قرن من الزمن، قد انتهى به المطاف في المنفى بعد أن أطاح به شاب يشع ذكاءً من عينيه، استطاع أن يجمع من حوله ذات فجر بعيد ليسقط حلب الشهباء دون مقاومة تذكر حتى وصل دمشق فاتحًا عهدًا هو أقرب إلى بدايات عهد مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
لم يكن منفاه أو قل لجوءه إلى موسكو عاديًا، فهو يقطن أفخر أبراجها وأشدهها حراسة من عناصر الكي جي بي، فهو حقيقة مع زوجته أسماء وأولاده يعيشون في عزلة مغلقة، عزلة محروسة، عزلة أقرب إلى نفي لا تفتح أبوابه إلا لمن أذن له بالدخول. أما زوجته سيدة الياسمين سابقًا والتي كانت سيدة القصور في دمشق فقد اختفت بدورها عن الأوساط الاجتماعية ولا تكاد ترى في الأسواق، وإن ذهبت فهي مثل ظل عابر لا زيارات ولا لقاءات، وكأنها تحيا في قوقعة اختارها لها القدر.
السؤال: لماذا انتهى عهد بشار بهذا الكم من السوء في سوريا العظيمة عاصمة الأمويين بدون أن يذكر له منجز واحد بقي في ذاكرة السوريين سوى براميل متفجرة وملايين مشردة ومدن مهدمة؟.. هل كان بشار مجبرًا على هذا الخيار الوحيد؟ ألم يقل أحد لو أنه تصرف بحكمة السياسي ودهاء الرئيس الحالي أحمد الشرع لبقي وأولاده من بعده يحكمون لقرن كامل؟.
عندما تغيب الحكمة مع توفر كل فرص النجاح فهو كارثة كبرى. أليس كان بشار قادرًا يوم انطلقت حركة الشارع السوري في درعا وخط أطفالها على الجدران "جاءك الدور يا دكتور"؟ ألم يكن قادرًا على محاسبة ابن خالته مسؤول الأمن في درعا عاطف نجيب الذي اقتلع أظافر هؤلاء الصبية من دون رحمة وأهان آباءهم، ويودعه في السجن لبضعة أسابيع وتطييب خواطر أولياء أمورهم؟، ومن ثم إرسال سيارة شرطة لاعتقال ابن خاله رامي مخلوف وذي الهمة شاليش مصاصو دماء شرايين الاقتصاد السوري ومعاقبتهم. ومثلما قال كاتب سوري لكانت تظاهرات الشعب انقلبت إلى تأييد لحكم بشار وإصلاحاته.
الحكم مغرم وليس مغنم، وربما لم يحسن والده حافظ الأسد في اختيار من يخلفه!! كان على بشار أن يختار توقيت ترجله عن حصان السلطة، ولكن هذه إشكالية التمسك بحبالها إلى حد القبر أو المنفى في العالم الثالث.
أتذكر حكم الرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو عندما أطيح به في انقلاب عسكري، كتبت على صفحتها الأولى صحيفة الغارديان البريطانية بالخط العريض "الديك الذي كان يركب كل الدجاج لم يعد بإمكانه ركوب دجاجة واحدة" كناية عن ترجمة لقبه أعلاه باللغة المحلية.
الحكمة ضالة المؤمن، عندما تحضر ينجح الحاكم الذي يحب شعبه ويحبونه ولا يخشون سطوة 16 جهاز أمني قمعي إجرامي يحمي عائلة الأسد.
كان أستاذ النظم السياسية في جامعة بنسلفانيا الراحل بروفيسور تيري رامسي يقول "السلطة تحتاج مستشارين شرفاء وأكفاء لا يداهنون الحاكم يخلصون له النصيحة ولا ينافقوه". فالملك الحسن الثاني رحمه الله ملك المغرب، اعتبره واحدًا من دهاة العرب، يقول للصحفي الفرنسي إريك رولو "لقد حكمت المغرب من خلال ستة عشر مستشارًا من أعظم وأكفأ رجالات المغرب علمًا وخبرة ودراية، ومع ذلك اعترف بأن ستين بالمئة من قراراتي كانت خاطئة!!" فكيف الحال مع بعض الحكام ليس لديهم حتى مستشارًا واحدًا.
ويضيف الملك المغربي أن وجود معارضة للحاكم ظاهرة صحية، فهو يشبهها مثل المرآة الجانبية لقائد السيارة يستطيع بها أن يرى من هو خلفه.
عندما سألت السياسي اليمني ورئيس الوزراء ووزير خارجية اليمن يومًا عن الذي يحز في نفسه في تقييم أحوال أمتنا العربية، قال "إن الذي تتوفر له كل الظروف المناسبة لماذا يخفق في إدارة شؤون بلده!!" ثم أطرق برهة وقال إنه دومًا يتذكر بيتًا من الشعر لمالئ الدنيا وشاغل الناس أبي الطيب المتنبي:
"ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا
كنقص القادرين على التمام".
- كاتب وأكاديمي من العراق
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news