ورقة الحوثيين النقدية... الوجه الآخر للحرب
في اليمن، لا تمر أيام دون أن تُطلّ علينا جماعة الحوثي بخطوة "مدوّية" تثير جدلًا أو صدمة أو كلاهما. لكن هذه المرة، لم يكن الأمر قصفًا أو تهديدًا عبر البحر، بل ورقة نقدية... نعم، مجرد ورقة من فئة 200 ريال، تباهت الجماعة بطباعتها وطرحها للتداول، إلى جانب عملة معدنية من فئة 50 ريالًا، في مشهد يكشف أن الحرب لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضًا بالحبر والورق.
الخطوة الحوثية "النقدية" ترافقت، ليس من باب المصادفة، مع إعلان البحرية اليمنية اعتراض شحنة أسلحة مهربة ضخمة في طريقها إلى مناطق الحوثيين. وبينما كانت الجماعة تحتفل بغرق سفن في البحر الأحمر، كانت تُغرق السوق بنقود جديدة في سابقة تحمل أبعادًا أبعد من "استبدال فئة تالفة".
ليست المشكلة في تغيير شكل العملة، بل في مضمون الرسالة. فالعملة في جوهرها، أداة سيادية، ومن يطبعها يعلن ضمنيًا أنه يملك دولة، واقتصادًا، وسيادة نقدية. وهذا تحديدًا ما أرادت الجماعة إيصاله، بأنّ لها الحق – بل القدرة – على إدارة اقتصاد موازٍ يتجاوز سلطة الدولة المركزية وقراراتها.
في المقابل، وصف البنك المركزي في عدن هذه الخطوة بـ"العبثية"، والمبعوث الأممي اعتبرها "إجراءً أحاديًا يهدد وحدة الاقتصاد". أما المواطنون – خصوصًا أولئك الذين لم يتسلموا رواتبهم منذ سبعة أعوام – فلم يكترثوا كثيرًا. فالورقة النقدية الجديدة، بالنسبة لهم، لن تُغيّر شيئًا من واقعهم القاسي، ولن تُسدّد فواتير جوعهم.
وفيما يتعلق بآلية الطباعة، لم تكن سرًّا كبيرًا. تشير تقارير إلى تعاون الحوثيين مع شبكة يقودها رجل أعمال إيراني مُدرج على قوائم العقوبات الأميركية، سبق له التعامل مع "فيلق القدس" في تزييف العملات. ويبدو أن الجماعة لم تكتف بتزوير السلطة، بل اتجهت نحو تزوير السيادة ذاتها عبر العملة.
الأخطر من ذلك، أنها لم تكتف بطباعة الريال، بل أعادت طباعة الرمزية الوطنية عليه. فبدلًا من رموز التاريخ اليمني العريق، ظهرت على العملة الجديدة معالم دينية ذات طابع مذهبي، كجامع الجند والعيدروس، في محاولة – يراها كثيرون – لتطييف الهوية اليمنية، وتكريس مشروع الجماعة الثقافي والمذهبي، على حساب التنوع والهوية الوطنية الجامعة.
ما الذي بقي إذًا من الدولة؟ إذا كانت الجماعة تسيطر على السوق، وتفرض الجبايات، وتطبع النقود، وتغيّر رموز العملة... فماذا بقي للحكومة الشرعية من أدوات السيادة؟
إن الرد على "ريال الحوثيين" لا يكون بخطابات غاضبة، بل بخطوات مسؤولة تعيد الاعتبار للمؤسسات الشرعية، تبدأ من توحيد المنظومة المالية، وتفعيل أدوات الرقابة، وصولًا إلى كبح اقتصاد الحرب واستعادة الثقة بالعملة الوطنية.
الريال الحوثي ليس مجرد ورقة... إنه إعلان سياسي بامتياز. والرد عليه يجب أن يكون بمشروع وطني لا ببيانات استنكار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news