رواية "فيلا ملاك الموت" للكاتب والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي، عمل سردي جديد يشتغل على آثار الحرب اليمنية، إذ عمل فيها عقبي على تفكيك بنية السلطة الكهنوتية التي تبتلع حاضر اليمنيين ومستقبلهم عبر شعارات العنف، تُجمل القمع والموت، وتفتعل مغامرات سياسية مدمّرة.
ويقول حميد عقبي، عن روايته، الصادرة حديثا عن دار متون المثقف للنشر والتوزيع، “في كل لحظة، أسمع صخب البحر وأغاني أمواجه تهمس لمدينة الحُديدة وأهلها المسجونين في أقصى الهامش، كأن البحر يقول لهم إنّ ثمة حلمًا جميلاً سيأتي… لكنه لا يأتي.”
ويضيف الكاتب “في هذه الرواية نعيش تقاطعات وفوضى الحرب مع النسيان، حيث تقف فيلا معزولة على أطراف مدينة منسيّة، وقد تحوّلت من مرفق صحي إلى مسرح عبثي للموت، الحياة، والانتظار. في هذا المكان، الذي لا يزوره سوى ملاك الموت بانتظام، أشعر بالحزن ككاتب وأنا أعيد قراءة الرواية منشورة الآن. أرى شخوص الرواية تتحرك بين الألم والأمل، بين الخراب والصمود، في سردٍ سينمائي، بأنفاس مسرحية البنية، وإنسانية العمق.”
ويلفت عقبي إلى أن هذا العمل يقارب الواقع العربي ويكشف هشاشة ما نعيشه من استبداد وقسوة الحروب، لكنه لا يخلو من الأمل ومن مقاومة صامتة.
ثم يختم حديثه بالقول “فيلا ملاك الموت محاولة للكتابة عن الهامش، وعن زمنٍ تُستغل فيه النساء، وتُهدَر فيه كرامة الإنسان حيًا وميتًا، مع استمرار عبث الحروب وفساد من يديرونها. فهي بالنسبة لهم لعبة وتجارة، لكنها بالنسبة لنا موت بطيء وألم لا يُطاق. نهمس للسماء في كل لحظة وثانية… نبحث عن العدالة والحياة.”
وتغوص بنا الرواية مع بطلتها موستيكو، وهي ممرضة شابة، تُعاقب على رفضها رغبات شهوانية لمسؤول نافذ، وتُنقل تبعا لذاك إلى “منفى طبي جحيمي”، فتبدأ في تسجيل يومياتها سرًا، شاهدة على الاحتضار الجماعي وخراب الإنسان. إلى جانبها، تتناوب نساء مثل أم بكش، التي ترفض الاعتراف بموت ابنها، وشعبانة، التي تضطر لبيع كل شيء لإنقاذ زوجها، الذي يعود إليها مجنونًا. وتظهر شخصيات رمزية مثل تشيخوف، المثقف الذي لم يتخل عن الحلم، وبينو، الذي ينتظر نهاية العالم عبر كويكب خيالي.
وتبرز الرواية من خلال شخصياتها النسائية خاصة آثار الحرب في اليمن، وتكشف أن هناك خاسرين كثرا في هذه الحرب التي أعادت اليمن قرونا إلى الوراء ومحت من الذاكرة كل المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققها اليمنيون خلال أكثر من نصف قرن من ثورتهم على الإمامة في شمال اليمن، بينما توضح أن الخاسر الأكبر في هذه الحرب هو في النهاية الشعب اليمني الذي تجرع ويلاتها وعانى من البطش والهوس العقائدي والمغامرات التي ذهبت بالبلاد إلى مآس لا تنتهي.
"فيلا ملاك الموت" محاولة للكتابة عن الهامش، وعن زمنٍ تُستغل فيه النساء، وتُهدَر فيه كرامة الإنسان
لا يشتبك عقبي بشكل مباشر مع الحرب والصراعات والأحداث القاسية التي يتعرض لها اليمن، بل يخير أن يلاحق أصداء هذا الواقع على حياة البسطاء والمنسيين، وخاصة النساء اللواتي يعتبرن من ضحايا الحروب الأكثر تضررا، بينما يكشف تفكك المجتمع من خلال تفكك العائلة وتمزق الفرد.
الرواية، رغم سوداويتها، فإنها لا تغرق في الرثاء، بل تُبقي جذوة من التمرد قائمة، في قبلة سرّية، وردة تنبت من صدأ الخراب، أو دفتر سرّي يُكتب ضد النسيان.
حميد عقبي يواصل عبر هذا النص مشروعه الجمالي في الكتابة التي تمزج بين الروائي والمسرحي والسينمائي، بأسلوب بصري كثيف يستفيد من تجربته الفنية المتنوعة، حيث الصورة، الصوت، والفراغ تؤدي دورًا سرديًا متكاملًا.
ويذكر أن حميد عقبي شخصية إبداعية متعددة النشاطات؛ فهو مخرج وكاتب سينمائي ومسرحي. أخرج عشرة أفلام قصيرة وله 17 رواية نُشرت عن دور نشر متعددة في ألمانيا، المغرب العربي، ومصر. كما نشر في السنوات الثلاث الأخيرة ستة أعمال شعرية، ومجموعات قصصية، ونصوص مسرحية. لديه مؤلفات باللغة الفرنسية، وترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية، الألمانية، الفرنسية، والإيطالية.
كما له11 كتابًا في النقد السينمائي و4 كتب في النقد الأدبي. أقام 11 معرضًا فنيًا تشكيليًا ومعرضًا فوتوغرافيًا في فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، يدير المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح في باريس، الذي ينظم ندوات نقدية وأدبية وفنية منذ عدة سنوات، وقد استفاد من تجربته الفنية المتعددة الأوجه في نصه الروائي هذا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news