صنعاء ليست خانعة… والكرامة لا تُقاد من الفنادق
قبل 8 دقيقة
في كل مرة يُقال فيها إن "صنعاء خاضعة"، يقفز إلى الواجهة سؤال بسيط: هل يُحكم على صمود الناس من خلف نوافذ الفنادق؟
من شاشات الهواتف؟
أم من حرارة الميدان؟
صنعاء ليست خانعة، ولا أهلها عبيدٌ للواقع، كما يروّج بعض من اتخذ من المنفى منصة للحكم على الناس. صنعاء لا تصرخ، لكنها تنزف.
لا تُهلل، لكنها تتألم. وفي داخلها، تتخفّى الكرامة تحت ركام القهر، لا خوفًا، بل توقًا للحظة تصنع التغيير الحقيقي، لا التغيير المزيف.
صنعاء التي ثارت، وقدّمت الشهداء، وواجهت الكهنوت بأجساد عارية إلا من الإرادة، لا يمكن أن يُطلب منها مجددًا أن تدفع الدم والدمع، فقط لتُسلّم مرة أخرى لمشروع مستنسخ من الحوثي… يختلف عنه بالشعار، ويتشابهان في العقلية.
ان الثورة ليست قفزة في الهواء فالثورة ليست حماسًا مؤقتًا، ولا حيلة لاقتناص السلطة. الثورة التزام ومسؤولية. ليست بوابة لانتقام سياسي، ولا عباءة لفرض نُسَخ أخرى من الإقصاء والتوريث والسلالة.
من يريد أن يدعو الداخل للثورة، فليبدأ باحترامه. فليُخاطبه كمواطن كامل لا كرقم في معادلة دعم خارجي. فليقدم له مشروعًا لا حزبيًا، لا مناطقيًا، لا طائفيًا. مشروعًا واضح المعالم، يؤمن بالدولة والعدالة والمواطنة، لا بالغنيمة والتوريث.
الداخل ليس خزان وقود لطموحات الآخرين و يعلم الجميع أن الحوثي مشروع تمزيق، يستند إلى وهم "الحق الإلهي"، لكنه ليس الخطر الوحيد. هناك خطر آخر، يتمثل في أولئك الذين يعتبرون الداخل مجرد وقود لمعركتهم، دون أن يقدّموا له أبسط مقومات الشراكة.
هل البديل عن الحوثي هو حكومة نُسجت من الموالين والمقرّبين مؤمنه بالخلافه؟
هل الدولة القادمة هي من عيّنت نفسها بنفسها في مأرب، وتجاهلت من تبقى في صنعاء وإب وذمار؟ أي مشروع وطني هذا الذي لا يضم الوطن كله؟!
لا تطلبوا من صنعاء أن تموت مرتين فصنعاء لا تخاف الموت، لكنها ترفض أن تموت عبثًا. الثورة الحقيقية لا تعني العودة إلى السجن تحت اسم جديد، ولا تبرر أن يُستبدل القيد بقيد آخر. من يطلب من الناس أن يُضحّوا، عليه أن يُقنعهم أن ما بعد التضحية سيكون دولة لا طائفة، كرامة لا ولاء، عدالة لا إقصاء.
نحن لا نحتاج إلى من يتحدث باسم الداخل، بل إلى من يُنصت إليه. نحتاج إلى مشروع يتجاوز الثارات والانقسامات، ويضع الإنسان اليمني أولًا… كل إنسان، لا حسب الجهة أو الولاء.
كفى تعاليًا… واحترام الداخل واجب و من لم يَسمع أنين الجائع، ولم يُعايش الخوف والخذلان، لا يحق له أن يضع معايير الشرف والمقاومة. من يرى الداخل مجرد "وسيلة ضغط"، فليصمت. الداخل ليس أداة، بل صاحب الأرض والحق. وهو وحده من يُقرر متى وكيف يثور… ولكن فقط حين يرى أملًا لا وهماً، بديلاً لا نسخة.
ان الثورة الحقيقية تبدأ من تطهير الذات، من الاعتراف بالأخطاء، من إعادة بناء الشرعية على أسس الشراكة لا التفرد، على المصالحة لا الإقصاء، على الدولة لا الجماعة.
حين يجد الداخل بديلًا نزيهًا، واضحًا، صادقًا، سيثور وحده… دون أن يُطلب منه ذلك. سيثور من أجل كرامته، لا من أجل أحد. وحينها فقط، لن تُقمع صنعاء… بل ستقود.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news