بشرى العامري:
أعلنت الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً عبر مجلسها الرئاسي، قراراً جمهورياً بتمديد ولاية اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان لمدة ثلاث سنوات إضافية.
يأتي هذا القرار في وقت لا تزال البلاد تشهد واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية والحقوقية في العالم، وسط مطالب محلية ودولية متزايدة بضرورة تحقيق العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب، وضمان مساءلة جميع أطراف النزاع.
اللجنة الوطنية، التي أنشئت في 7 سبتمبر 2015 بموجب القرار الجمهوري رقم (13) لسنة 2015، وذلك استجابة لتصاعد النزاع المسلح مطلع ذلك العام. وقد تم تحديد ولايتها الجديدة بـ”التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان منذ يناير 2011 وحتى بسط سلطات الدولة على كامل الأراضي اليمنية”، مع تعيين تسعة أعضاء من ذوي الكفاءة القانونية والحقوقية.
وكان من المفترض، وفقاً لقرار الإنشاء، أن تكون ولاية اللجنة لمدة عام واحد فقط، وأن يُعاد تشكيلها لاحقاً لضمان الشفافية والمصداقية، إلا أن اللجنة وُجهت لها انتقادات حادة لاستمرار عملها بمعظم التركيبة ذاتها ومعظم الاعضاء مع تداخل بين إدارتها والجانب الحكومي، منذ تسع سنوات دون تغييرات جوهرية أو نتائج مؤثرة.
ورغم الجهود التي بذلتها اللجنة خلال تلك السنوات، عبر إصدار تقارير دورية قدمتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ووثقت فيها آلاف الانتهاكات المنسوبة لمختلف أطراف النزاع (بما في ذلك جماعة الحوثي، والقوات الحكومية، والتحالف العربي)، إلا أن قرار التمديد الأخير لم يكن محل إجماع حقوقي.
ففي حين أعتبره البعض خطوة ضرورية لاستمرار العمل الوطني في توثيق الانتهاكات، خاصة في ظل غياب آليات دولية بديلة بعد إنهاء مجلس حقوق الإنسان لولاية “فريق الخبراء الدوليين البارزين” في 2021، بسبب تدخلات رسمية .
فإن عدداً من الجهات الحقوقية المحلية والدولية، بينها هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، أعربت عن قلقها العميق من إستمرار اللجنة دون إصلاحات جوهرية. وانجازات ملموسة.
وتتمحور هذه الانتقادات حول محدودية استقلال اللجنة وتأثرها بتوجهات سياسية، وغياب التوازن في تناول الانتهاكات المرتكبة من مختلف الأطراف ،ومحدودية الأثر الدولي لتقاريرها مقارنة بالآليات الأممية.وضعف المهنية.
بالإضافة إلى ضعف قدرتها على الوصول للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، خاصة شمال البلاد، وتجاهل ملفات شائكة مثل الحصار المفروض على مدينة تعز، والانتهاكات في مناطق الجنوب، والتمديد المتكرر لنفس الأعضاء دون إعادة تقييم أو تحديث للهيكل، بما يتنافى مع مبدأ الشفافية والتداول.
ويرى مراقبون أن فقدان اللجنة لمصداقيتها في الأوساط الحقوقية، محلياً ودولياً، يعود إلى غياب الإنجاز الملموس رغم السنوات الطويلة، وعدم إشراك الضحايا بفاعلية في آلية التحقيق، إلى جانب غياب آلية شفافة لاستقبال الشكاوى أو التفاعل مع منظمات المجتمع المدني.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاح جذري لآلية عمل اللجنة، بحيث لا يكون استمرارها مجرد إمتداد للنهج السابق، بل إنطلاقة جديدة نحو المساءلة والعدالة.
وتشمل أبرز مقترحات الإصلاح في تعزيز استقلال اللجنة عن السلطة التنفيذية، وإعادة تشكيلها عبر إشراك شخصيات حقوقية مستقلة ومشهود لها بالنزاهة وإتاحة الوصول الآمن والعادل للضحايا وأسرهم وإخضاع اللجنة لتقييم دوري من قبل جهات رقابية مستقلة، وتمكين منظمات المجتمع المدني من مراقبة وتقييم الأداء.
إن استمرار اللجنة بصيغتها الحالية، وبهياكلها القديمة، يعكس فشلاً في الاستفادة من دروس السنوات الماضية، ويهدد بتحويلها إلى آلية شكلية لا تلبي تطلعات الضحايا، ولا تعزز ثقة المجتمع الدولي في جهود الحكومة نحو العدالة الانتقالية، فالعدالة الحقيقية في بلادنا لا تحتاج فقط إلى قرارات إدارية، بل إلى إرادة سياسية جادة تضمن محاسبة الجناة بغض النظر عن انتماءاتهم، وجبر ضرر الضحايا، وبناء مؤسسات وطنية حقوقية نزيهة تُعلي من كرامة الإنسان اليمني وتستجيب لتطلعاته في السلام والإنصاف.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news