في مشهد يعكس حجم التخادم والتنسيق الخفي بين حزب الإصلاح الإخواني ومليشيا الحوثي، أقدمت مؤسسة المياه في مدينة تعز، الخاضعة لسيطرة الإصلاح، على إبرام اتفاق مباشر مع قيادات حوثية في منطقة الحوبان الواقعة شرقي المدينة، لتزويد الأحياء المحررة بالمياه من الآبار الواقعة في مناطق سيطرة المليشيا.
الاتفاق الذي جرى الترويج له على أنه “خطوة إنسانية لتخفيف معاناة المواطنين”، جاء متزامنًا مع تواطؤ واضح من سلطة الإصلاح لتعطيل مشروع “مياه الشيخ زايد” الاستراتيجي، والذي وُضع حجر أساسه في مارس 2023 بتمويل إماراتي تجاوز 10 ملايين دولار، وكان كفيلًا بإنهاء أزمة المياه في المدينة من جذورها.
تحت غطاء “الخدمة”.. تحالف أمر واقع
ورغم محاولات تسويقه كمشروع خدمي، إلا أن مصادر في السلطة المحلية أكدت أن الاتفاق مع الحوثيين لا يخلو من الأبعاد السياسية، ويكشف عن تنسيق يتجاوز الضرورة الخدمية إلى تقاسم للموارد، في ظل ما يشبه الإدارة المشتركة للمياه بين الطرفين، بعيدًا عن أي مظلة شرعية أو مؤسسية.
الاتفاق تضمن – بحسب المصادر – إعادة تشغيل الآبار الواقعة في مناطق سيطرة الحوثي، وصيانة شبكات الإمداد، بتمويل من منظمات دولية، مقابل السماح بتغذية المدينة من تلك الحقول، التي كانت تمثل المصدر الرئيسي للمياه قبل الحرب.
عرقلة مقصودة لمشروع حيوي
وفي الوقت الذي هرولت فيه سلطة الإصلاح إلى التفاهم مع الحوثيين، تجاهلت عمدًا المشروع الممول من دولة الإمارات ضمن مبادرة الشيخ زايد، والذي يشمل حفر 10 آبار ارتوازية، وإنشاء شبكة نقل بطول 12 كيلومترًا، وخزانات بسعات كبيرة، ومنظومة طاقة شمسية حديثة.
مصادر في مؤسسة المياه أكدت لـ”نيوزيمن” أن قيادات إصلاحية بارزة تعمدت تعطيل المشروع منذ لحظة انطلاقه، عبر افتعال عراقيل إدارية وتأخير إصدار التراخيص، إلى جانب مضايقات ميدانية طالت فرق التنفيذ، رغم توفر التمويل والتجهيزات.
وأكدت المصادر أن المشروع كان في طور التنفيذ الفعلي منذ سبتمبر 2023، وكان من شأنه إنهاء معاناة عشرات الآلاف من المواطنين، إلا أن تعمد إفشاله فتح الباب أمام سلطة الإصلاح لشرعنة التنسيق مع الحوثيين، وتقديمه كخيار وحيد ومتاح، في مشهد يكشف بوضوح عن نوايا سياسية مبيّتة.
ازدواجية مفضوحة
ويطرح مراقبون تساؤلات حول منطقية الحديث عن “أزمة مياه”، في ظل وجود مشروع متكامل وجاهز للإنجاز، تم تعطيله لصالح اتفاق مع طرف يفرض الحصار على تعز منذ سنوات، ويستخدم المياه كوسيلة للعقاب الجماعي.
ويرى هؤلاء أن الإصلاح سعى منذ البداية إلى إبقاء المدينة رهينة للأزمات، لاستخدامها كورقة تفاوض واتفاق مع الحوثيين، على حساب المعاناة الحقيقية التي يعيشها أبناء تعز.
تسويق الحوثي كمنقذ
في سياق موازٍ، برزت حملات على مواقع التواصل يقودها نشطاء مقربون من الإصلاح، تحاول تلميع صورة الحوثيين بوصفهم “المنقذ الإنساني” لأبناء تعز، متجاهلين حقيقة أن المليشيا نفسها هي من أغلقت الحقول المائية، ومنعت الإمدادات عن المدينة طوال سنوات الحرب.
أحد هؤلاء النشطاء ذهب إلى القول إن “الحوثيين في الحوبان يشعرون بمعاناة أبناء المدينة، ويسعون لتخفيفها”، رغم إقراره بأن سكان الحوبان أنفسهم يعانون من شحّ المياه ويشترونها بأسعار مرتفعة، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة مكشوفة لتسويق الاتفاق وتبرير التقارب بين الطرفين.
مواطن تعز.. الخاسر الأكبر
في نهاية المطاف، يدفع المواطن التعزي الثمن مضاعفًا: يُحرم من مشروع حيوي كان بإمكانه إنقاذه من العطش، ويُفرض عليه قبول اتفاقات مشبوهة مع ميليشيا تحاصره، فقط لتمكين حزب الإصلاح من تثبيت نفوذه عبر تحالفات غير معلنة.
وبينما تلتزم الحكومة الشرعية الصمت حيال ما يجري، تتواصل التحركات المشبوهة تحت لافتات “الخدمة” و”الضرورة”، في حين أن الحقيقة الواضحة – كما يقول ناشطون – أن هناك تنسيقًا ممنهجًا يجري بين طرفين لا يجمعهما سوى هدف واحد: السيطرة والبقاء، ولو على حساب تعز وأهلها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news