أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:
في ظل الجدل المتجدد حول دلالات يوم عاشوراء وتباين طُرق إحيائه بين المذاهب الإسلامية، أجرى “يمن ديلي نيوز” استطلاعًا لآراء باحثين وأكاديميين ومختصين في الفكر الديني والتاريخ الإسلامي، للوقوف على أبعاد هذه الذكرى الدينية وأسباب توظيفها السياسي والطائفي.
ركزت الآراء على أهمية إعادة الاعتبار للمعنى الإيماني والنبوي لهذا اليوم، الذي يخلّد نجاة نبيّ الله موسى عليه السلام من فرعون، في مقابل تحذيرات من مساعي جماعات مسلحة مثل الحوثيين لتسخيره في التحريض الطائفي وخدمة أجندات سياسية ضيقة، ما يهدد النسيج الاجتماعي ويذكي الصراعات في اليمن والمنطقة.
يعرض هذا التقرير خلاصة ما أدلى به الباحثون والأكاديميون في تصريحات خاصة لـ”يمن ديلي نيوز”، داعين إلى قراءة تاريخية معتدلة وموضوعية لهذه المناسبة، تُسهم في تعزيز الوعي الديني وتحصين المجتمع من مشاريع التفرقة والاحتراب.
توظيف سياسي وتحريضي
والبداية مع الباحث في فكر وعقائد الحوثيين “عبد الملك الحضوري” الذي قال إن يوم عاشوراء يمثل يوم اختلاف أكثر من كونه يوم اتفاق بين السنة والشيعة، مشيراً إلى توظيف جماعات مثل الحوثيين لهذه المناسبة بشكل سياسي وتحريضي، ومؤكدًا على ضرورة تقديم قراءة معتدلة ووسطية لها.
وذكر الباحث “الحضوري”، في حديث لـ “يمن ديلي نيوز” أن الأصل في يوم عاشوراء أنه اليوم الذي أنجى الله فيها موسى من فرعون، وهو ما دعا النبي ﷺ إلى الترغيب في صيامه، وروايات الصوم ثابتة عند جميع المسلمين بما فيهم الشيعة الإمامية والزيدية.
وأضاف:” أن أحداثًا أخرى وقعت في مثل هذا اليوم، مثل مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، كانت سببًا في توظيفه طائفيًا من بعض الفرق والجماعات”.
وبحسب الحضوري، تعود جذور هذا التوظيف إلى الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري، التي رسخت ممارسات بدعية في إحياء المناسبة على نحو يزيد من شقاق الأمة ويذكي العداوات بين المسلمين، منتقدًا ما وصفه بـ”الخطاب الطائفي الذي يطعن في رموز الإسلام ويهدم الثوابت”.
وأوضح أن جماعة الحوثي في اليمن تتبنى هذا الخطاب بشكل صريح وضمني، مستشهدًا بتسجيلات لحسين بدر الدين الحوثي وسلسلة ملازم “معرفة الله”، التي تحمل اتهامات صريحة لجيل الصحابة والخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وتحمّلهم وزر الفتن والانقسامات.
ودعا الحضوري إلى قراءة معتدلة ووسطية لعاشوراء، تركز على المعنى الإيماني النبوي في صيامه، وتقطع الطريق على التوظيف السياسي والطائفي، لأن المسلمين جميعًا بحاجة إلى وعي تاريخي موضوعي يرفض خطاب الكراهية، ويحافظ على وحدة الأمة أمام مشاريع التفرقة.
نحن أحق بموسى
ومن جانبه قال الدكتور حمود بن مسعد الخرام، أن يوم عاشوراء يمثل يومًا للعبادة وذكر الله، وله أهمية كبيرة ة في ثقافة المسلمين، حيث يتذكرون فيه انتصار النبي موسى على فرعون.
وأوضح الخرام في حديثه لـ “يمن ديلي نيوز”، أن النبي محمد ﷺ لاحظ أن اليهود كانوا يصومون هذا اليوم في المدينة، فسأل عن السبب وعلم أنه يوم انتصار موسى، فرد قائلاً “نحن أحق بموسى”، وأمر الصحابة بصيام يوم عاشوراء، حيث رغب في صيام التاسع والعاشر لتفريقه عن اليهود، ويُعتبر كفارة لذنوب السنة الماضية.
وحول موقف الزيدية وباقي الفرق الشيعية ليوم عاشورا، قال الباحث الخرام، إنه يمثل بالنسبة لهم يومًا مأساويًا، حيث يُنظر إليه كتاريخ لاستشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب، مشيراً إلى تحريف بعض الفرق الشيعية لتواريخ هذه الأحداث، واختلاف الروايات حول توقيت استشهاد الحسين وواقعه.
وأشار الخرام، إلى أن شيعة الكوفة قد اعترفوا بأنهم كانوا من تسببوا في مقتل الحسين، حيث أرسلوا له 5000 رسالة يدعونه لنصرتهم مضيفاً: أن الحسين بن علي واجه جيش عبيد الله بن زياد طالبًا منهم السماح له بالعودة إلى المدينة، لكنه تم رفض طلبه واستشهد.
وفيما يتعلق بالرؤية السنية، نوه الخرام إلى أن أهل السنة والجماعة يعتبرون الحسين مظلومًا ويرحمونه ويشهدون له بالصلاح والتقوى والخير، مع التأكيد على أنه من أهل الجنة بشهادة النبي ﷺ، إلا أنهم لا يحتفلون باليوم كما تفعل بعض الفرق الشيعية.
وأضاف اللواء الخرام، أن الفرق الشيعية يوظفون كل الحوادث لمصلحتهم، رغم أن الحسين بن علي لا هو شيعي ولا هو زيدي، وله اثنا عشر، وهو صحابي جليل مشهود له بالجنة، ولا يؤمن بخرافات ولا ضلالات ولا شركيات أبداً.
وتابع: “كما وظفوا مقتل زيد بن علي، ومقتل علي بن أبي طالب، وظفوا أيضاً مقتل الحسين بن علي، وقضايا كثيرة، ولا يزالون يوظفونها ويتشبث الآخرون بها”.
وشدد الباحث في الشؤون الدينية الخرام على أهمية التوعية حول القضايا التاريخية والدينية والتأكد من دقتها لضمان عدم تزييف الحقائق.
يوم للشحن الطائفي
وبدوره اتهم الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور عمر ردمان في تصريحه لـ” يمن ديلي نيوز”، جماعة الحوثي باتخاذ مناسبة يوم عاشوراء وسيلة للتعبئة والتحريض الطائفي في إطار صراعات السلطة والمطامح السياسية.
وقال الباحث ردمان، إن الحوثيين، على غرار الجماعات الشيعية الأخرى، يخرجون هذه المناسبة عن أصلها الشرعي والتاريخي الذي يخلد نجاة نبي الله موسى من فرعون، ليجعلوا منها يومًا للنياحة والشحن الطائفي المرتبط بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنه.
وأوضح ردمان، أن الحوثيين يعمدون إلى “أعناق النصوص” عبر ربط تشريع النبي ﷺ لصيام عاشوراء بتنبؤ مزعوم بمقتل الحسين، وتحويل عظمة هذا اليوم إلى مناسبة لتقديس خروجه والصراع على ما يسمونه يوم الولاية.
وقال: الجماعة تستخدم هذه الذكرى منصة للتحريض الطائفي، بهدف ترسيخ نظريتهم السياسية التي تحصر الولاية في “البطنين”، معتبرين ذلك استحقاقًا دينيًا يتجاوز الزمان والمكان.
ولفت ردمان إلى أن الطائفية المبنية على فكرة التشيع ليست عند الحوثيين سوى أداة ثقافية واجتماعية للوصول إلى السلطة السياسية، حيث أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي مؤخرًا بوضوح أن الصراع الحالي هو بين جبهتين: “الحسينية” و”اليزيدية”.
وأردف: “جماعة الحوثي ليست إلا ذراعًا للمشروع الإيراني في اليمن، وتجسيدًا لهذه المعركة الفكرية التي تسعى إلى تكريس مفهوم “آل البيت” في الحكم، وتصوير عبد الملك الحوثي باعتباره الوريث الشرعي لهذا الامتداد السلالي”.
وشدد على أن عاشوراء في الفكر الإسلامي الصحيح هو يوم من أيام الله يُذكر بانتصار الحق وهلاك الطغاة، وليس وسيلة للشحن الطائفي وتقويض مبادئ الشورى التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام.
وختم الباحث السياسي “عمر ردمان”، حديثه بالقول: إن “مثل هذه الأفكار تذكي الصراعات والحروب، وتتسبب في إراقة الدماء وضياع مصالح الشعوب”.
مظلومية مفتعلة
وفي السياق قال مدير عام مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة ومدير مؤسسة القلم للفكر والثقافة، عبدالحليم الهجري، “إن يوم العاشر من محرم المعروف بيوم عاشوراء، هو يوم من أيام الله الخالدة، ويجسد انتصار المظلوم واندحار الظالم، كما عرفه الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد ﷺ”.
وأوضح الهجري، أن النبي ﷺ احتفى بهذا اليوم العظيم بصيامه، شكرًا لله تعالى على نجاة نبيه موسى عليه السلام من فرعون الظالم، في تأكيد على أن دين الإسلام يناهض الظلم ويقف مع المظلومين في كل زمان ومكان.
وأضاف: “استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه في يوم عاشوراء من عام 61 للهجرة، كان مأساة مؤلمة راح ضحيتها مظلوم وظالم، إلا أن أعداء الإسلام من الشيعة، الذين ساروا على نهج عبدالله بن سبأ –وهو يهودي ادعى الإسلام ليفتك به من داخله– حمّلوا هذه الحادثة ما لا تحتمله، في حين لم ينعكس ذلك على حوادث مماثلة كاغتيال الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم”.
وأشار الهجري في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”، إلى أن الشيعة حولوا يوم عاشوراء إلى مناسبة للطعن واللعن وتأجيج الأحقاد بين المسلمين، بل استباحوا الدماء والأعراض تحت ذريعة “الانتقام للحسين”، مستغلين مظلومية مفتعلة لهدم وحدة الأمة وإذكاء نيران الفتن.
وتابع: “معركة عاشوراء التي تتكرر كل عام لم تعد سوى وسيلة لهدم صرح الإسلام، وهذه المعركة تتطلب منا اليوم أن نخوض معركة وعي شاملة، خصوصًا مع المخدوعين والمغيبين الذين لا يعرفون خلفيات هذا التجييش الطائفي الممنهج”.
وفي حديثه تساءل الهجري قائلاً: أي الجرائم أعظم؟ مقتل الحسين في معركة عسكرية خرج إليها، أم مقتل عمر وهو في المحراب، وعثمان في بيته، وعلي وهو في طريقه إلى المسجد؟، معتبرًا أن “المقارنة تفضح ازدواجية الخطاب الطائفي الذي يتجاهل الجرائم السابقة، ويستثمر في حادثة مقتل الحسين لإشعال الفتن”.
وقال عبد الحليم الهجري، إن ما نعيشه اليوم في اليمن من معاناة على يد الميليشيا الحوثية الإجرامية، هو امتداد لغرس طائفي خبيث زرع قبل أكثر من 1300 سنة، لكننا بوحدتنا ووعينا قادرون على دحر حملة رايات القتل والخراب والدمار.
وأخذ العاشر من محرم لدى الشيعة ومنهم جماعة الحوثي بعداً مختلفاً بعد مقتل الحسين بن علي في معركة كربلاء عام 61هـ (680م)، حيث تحوّل هذا اليوم إلى مناسبة لإحياء الصراعات والدعوة للثأر، وتوظيفه سياسياً لصالح تجديد الولاء لما يسمونه أهل البيت.
في اليمن، تعيد جماعة الحوثي المتأثرة بالمدرسة الاثني عشرية إنتاج عاشوراء على النمط التعبوي الإيراني، متجاوزين البعد الروحي والديني للمناسبة نحو توظيفها السياسي والطائفي.
وتُظهر خطابات مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ونجله عبد الملك الحوثي، تركيزًا متكررًا على أحداث كربلاء باعتبارها امتدادًا للصراع السياسي والعقائدي الذي تخوضه الجماعة اليوم، وتُستخدم المناسبة لتأجيج العداء ضد خصومها تحت رايات “الولاية” و”الحق الإلهي”.
مرتبط
الوسوم
مقتل الحسين بن علي طالب
نجات النبي موسى من فرعون
يوم عاشورا
ذكرى عاشورا
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news