في مشهد يعيد إلى الأذهان صفحات مظلمة من التاريخ اليمني، تجددت في محافظة ريمة فصول القمع المذهبي، باستهداف مباشر لمعلمي القرآن الذين لا يخضعون لهيمنة جماعة الحوثي، في تكرار واضح لنهج قديم مارسته السلالة الإمامية منذ قرون.
الصحفي سعيد ثابت سعيد وثّق في مادة تحليلية نُشرت مؤخرًا، واقعة مروعة راح ضحيتها الشيخ السبعيني صالح أحمد حنتوس، أحد أبرز معلمي القرآن الكريم في ريمة، الذي كرّس حياته لخدمة التعليم الديني في قريته النائية، ورفض الانخراط في برامج التعبئة الطائفية الحوثية.
بحسب التقرير، لم يكن الشيخ حنتوس يحمل سلاحًا ولا انخرط في أي نشاط سياسي، لكنه أصبح هدفًا لجماعة الحوثي بسبب موقفه التربوي المستقل، حيث أقدمت حملة مسلحة على محاصرة منزله، وقصفته بالقذائف، ما أدى إلى استشهاده مع عدد من أقاربه، فيما أُصيبت زوجته بجروح بالغة، وتم اختطاف أبناء أخيه.
ويعيد سعيد ثابت في مادته التوثيقية، سرد واقعة مماثلة تعود إلى عام 793 هـ، أوردها المؤرخ الزيدي زين الدين الشرجي الزبيدي في كتابه “طبقات الخواص”، توثق استشهاد الشيخ الشافعي أحمد بن زيد الشاوري على يد الإمام محمد بن علي الهادوي بسبب دعوته للتمسك بالسنة، في حادثة استخدمت فيها السلطة آنذاك أدوات القتل والنهب والتنكيل بالفقيه وأهله.
ويؤكد الكاتب أن النهج واحد وإن تغيرت الأسماء والأزمنة، حيث يتعامل الفكر السلالي مع التعليم المستقل والكلمة الحرة بوصفهما تهديدًا مباشرًا لعقيدته السياسية القائمة على الامتياز الطبقي والديني. فالمعلم الذي يرسّخ مبدأ المساواة القرآني بين الناس يصبح – بحسب التقرير – أشد خطورة من المعارض السياسي أو المقاتل.
ويلفت سعيد ثابت إلى أن استشهاد الشيخ حنتوس ليس نهاية، بل بداية لسردية مقاومة جديدة يحملها طلابه وأهله، تمامًا كما خُلِّدت قصة الشيخ الشاوري في كتب التاريخ، مؤكدا أن “القاتل يتغير، لكن الفكر الدموي واحد، والخوف هو ذاته، والجريمة لا تتغير”.
ويختتم بسؤال ظل يتردد عبر العصور: لماذا يخافون من معلّم القرآن؟ وتبقى الإجابة كما يرى الكاتب في واقعٍ يشهد فيه اليمن مآسي متكررة ضد التنوير والوعي، حيث الكلمة الحرة تُعدّ جريمة في نظر سلطات لا ترى النور إلا تهديدًا لظلامها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news